للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصلاحُ هذه المراتب بصلاح الخواطر والأفكار، وفسادُها بفسادها.

فصلاحُ الخواطر بأن تكونَ مراقِبةً لوليها وإلهها، صاعدةً إليه، دائرةً على مرضاته ومحابِّه؛ فإنه سبحانه به كل صلاح، ومن عنده كل هدى، ومن توفيقه كل رشدٍ، ومن توليه لعبده كل حفظ، ومن توليه وإعراضه عنه كل ضلال وشقاءٍ.

فيظفر العبد بكل خير وهدى ورشد بقدر إثبات عين فكرته في آلائه ونعمه وتوحيده وطرق معرفته وطرق عبوديته، وإنزاله إيَّاه حاضرًا معه مشاهدًا له ناظرًا إليه رقيبًا عليه مطلعًا على خواطره وإراداته وهمّه؛ فحينئذٍ يَستحيي منه ويُجِلُّه أن يُطلِعه منه على عورةٍ يكره أن يطلع عليها مخلوقٌ مثله أو يرى في نفسه خاطرًا يَمقُته عليه.

فمتى أنزل ربَّه هذه المنزلةَ منه رفَعَه وقرَّبهُ منه وأكرمه واجتباه ووالاه، وبقدر ذلك يَبعُد عن الأوساخ والدَّناءات والخواطر الرديئة والأفكار الدنيئة؛ كما أنه كلما بَعُد منه وأعرض عنه قَرُب من الأوساخ والدناءات والأقذار، ويُقطَع عن جميع الكمالات ويتصل بجميع النقائص.

فالإنسان خيرُ المخلوقات إذا تقرَّب من بارئه والتزم أوامره ونواهيه وعمل بمرضاته وآثره على هواه، وشرُّ المخلوقات إذا تباعد عنه ولم يتحرك قلبه لقربه وطاعته وابتغاء مرضاته؛ فمتى اختار التقربَ إليه وآثره على نفسه وهواه فقد حكَّم قلبَه وعقله وإيمانه على نفسه وشيطانِه، وحكَّم رشدَه على غيِّه وهداه على هواه، ومتى اختار التباعدَ منه فقد حكَّم نفسَه وهواه وشيطانه على عقله وقلبه ورشده.

<<  <  ج: ص:  >  >>