للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا ذراعٌ فيَسبِقُ عليه الكتاب"؛ فإن هذا عمل أهل الجنة فيما يظهر للناس، ولو كان عملًا مقبولًا صالحًا للجنة قد أحبه الله ورضيه لم يُبطِله عليه.

وقوله: "لم يبقَ بينه وبينها إلَّا ذراعٌ" يُشكِل على هذا التأويل، فيقال: لما كان العمل بآخره وخاتمته؛ لم يصبر هذا العامل على عمله حتى يتم له، بل كان فيه آفةٌ كامنةٌ ونكتةٌ خُذِلَ بها في آخر عمره، فخانتْه تلك الآفةُ والداهيةُ الباطنة في وقت الحاجة، فرجع إلى موجبها، وعملتْ عملها، ولو لم يكن هناك غشٌّ وآفةٌ لم يقلب الله إيمانه كفرًا ورِدَّةً (١) مع صدقه فيه وإخلاصه بغير سببٍ منه يقتضي إفسادَه عليه، والله يعلم من سرائر العباد ما لا يعلمه بعضهم من بعض.

وأما شأن إبليس فإن الله سبحانه قال للملائكة: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٠)[البقرة: ٣٠]؛ فالرب تعالى كان يعلم ما في قلب إبليس من الكفر والكبر والحسد ما لا تعلمه الملائكة، فلما أُمِروا بالسجود ظهر ما في قلوبهم من الطاعة والمحبة والخشية والانقياد فبادروا إلى الامتثال، وظهر ما في قلب عدوِّه من الكبر والغش والحسد، فأبى واستكبر وكان من الكافرين.

وأما خوف أوليائه من مكره فحقٌّ؛ فإنهم يخافون أن يخذلهم بذنوبهم وخطاياهم فيصيرون إلى الشقاء؛ فخوفهم من ذنوبهم، ورجاؤهم لرحمته.

وقوله: ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ﴾ [الأعراف: ٩٩] إنما هو في حق


(١) في الأصل: "لقداورده" تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>