للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا استحكم هذا الاعتقاد في قلوبهم وتخمَّر في نفوسهم؛ صاروا إذا أُمروا بالطاعات وهَجْر اللَّذَّات بمنزلة إنسان جعل يقول لولده: معلمك إن كتبتَ وأحسنتَ وتأدبت ولم تَعصه ربما أقام لك حجةً وعاقبك، وإن كسلتَ وبطلتَ وتعطلتَ وتركتَ ما أمرك به ربما قرَّبك وأكرمك! فيُودِعُ بهذا القول قلبَ الصبي ما لا يثق بعده إلى وعيدِ المعلم على الإساءة ولا وعدِه على الإحسان! وإن كبرَ الصبيُّ وصلح للمعاملات والمناصب قال له: هذا سلطان بلدنا؛ يأخذُ اللصَّ من الحبس فيجعله وزيرًا أميرًا، ويأخذ الكيِّسَ المحسن لشغله فيُخلّدُهُ الحبسَ ويقتله ويصلبه! فإذا قال له ذلك أوحشه من سلطانه، وجعله على غير ثقة من وعده ووعيده، وأزال محبته من قلبه، وجعله يخافه مخافةَ الظالم الذي يأخذ المحسنَ بالعقوبة والبريء بالعذاب، فأفلسَ هذا المسكينُ من اعتقاد كون الأعمال نافعة أو ضارة؛ فلا بفعل الخير يستأنس ولا بفعل الشر يستوحش!

وهل في التنفير عن الله وتبغيضه إلى عباده أكثر من هذا؟!

ولو اجتهد الملاحدة على تبغيض الدين والتنفير عن الله لما أَتوا بأكثر من هذا؟!

وصاحب هذه الطريقة يظن أنه يقرر التوحيد والقدر ويردُّ على أهل البدع وينصر الدين، ولعَمْر اللهِ العدوُّ العاقل أقل ضررًا من الصديق الجاهل.

وكتبُ الله المنزلة كلها ورسلُه كلهم شاهدةٌ بضد ذلك، ولا سيما القرآن؛ فلو سَلَكَ الدعاءَ المسلكَ الذي دعا الله ورسوله به الناسَ إليه لصلحَ العالمُ صلاحًا لا فساد معه.

<<  <  ج: ص:  >  >>