للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النار، فيدخلها" (١)، ويروون عن بعض السلف: أكبر الكبائر: الأمن من مكر الله، والقنوطُ من رحمة الله (٢). وذكر الإمام أحمدُ عن عون بن عبد الله أو غيره؛ أنه سمع رجلًا يدعو: اللهم! لا تُؤمِنِّي مكرَك! فأنكر ذلك وقال: قُلْ: اللهم! لا تجعلني ممَّن يأمن مكرَك.

وبنوا هذا على أصلهم الباطل، وهو إنكارُ الحكمة والتعليل والأسباب، وأن الله لا يفعل لحكمةٍ ولا بسبب، وإنما يفعل بمشيئة مجردةٍ من الحكمة والتعليل والسبب؛ فلا يفعل لشيءٍ ولا بشيءٍ، وأنه يجوزُ عليه أن يُعذِّب أهل طاعته أشدَّ العذاب، ويُنعم أعداءه وأهل معصيته بجزيل الثواب، وأن الأمرين بالنسبة إليه سواءٌ، ولا يُعلَم امتناعُ ذلك إلا بخبر من الصادق أنه لا يفعله؛ فحينئذٍ يُعلَم امتناعُهُ؛ لوقوع الخبر بأنه لا يكون، لا لأَنَّه في نفسه باطلٌ وظلمٌ؛ فإن الظلم في نفسه مستحيلٌ؛ فإنه غير ممكن، بل هو بمنزلة جعل الجسم الواحد في مكانين في آنٍ واحدٍ، والجمع بين الليل والنهار في ساعةٍ واحدةٍ، وجعل الشيء موجودًا معدومًا معًا في آنٍ واحد؛ فهذا حقيقةُ الظُّلم عندهم.

فإذا رجع العامل إلى نفسه قال: من لا يَستقرُّ له أمرٌ، ولا يُؤمَن له مكرٌ؛ كيف يُوثَق بالتقرب إليه؟! وكيف يُعوَّلُ على طاعته واتِّباع أوامره؟! وليس لنا سوى هذه المدة اليسيرة؛ فإذا هجرنا فيها اللَّذات، وتركنا الشهوات، وتكلفنا أثقال العبادات، وكُنَّا مع ذلك على غير ثقةٍ منه أن يقلب علينا الإيمان كفرًا والتوحيد شركًا والطاعة معصيةً والبِرَّ فجورًا ويُديم علينا العقوباتِ؛ كنا خاسرين في الدنيا والآخرة!!


(١) أخرجه البخاري (٣٢٠٨) ومسلم (٢٦٤٣) من حديث ابن مسعود.
(٢) روي من كلام علي وابن مسعود وغيرهما، انظر: الدر المنثور (٤/ ٣٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>