للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعمة الهداية، ولا يشكره عليه، ولا يُثني عليه بها، ولا يحبُّه؛ فلا يشاؤها له لعدم صلاحية محلِّهِ؛ قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيهِمْ مِنْ بَينِنَا أَلَيسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣)[الأنعام: ٥٣]، وقال: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيرًا لَأَسْمَعَهُمْ﴾ [الأنفال: ٢٣]؛ فإذا قضى على هذه النفوس بالضلال والمعصية؛ كان ذلك محض العدل؛ كما إذا قضى على الحيَّةِ بأنْ تُقْتَل وعلى العقرب وعلى الكلبِ العقور (١)؛ كان ذلك عدلًا فيه، وإنْ كان مخلوقًا على هذه الصفة.

وقد استوفَينا الكلام في هذا في كتابنا الكبير في القضاءِ والقدر (٢).

والمقصودُ أنَّ قولَه : "ماضٍ فيَّ حُكْمُكَ، عدلٌ فيَّ قضاؤُكَ": ردٌّ على الطائفتين: القدريَّة الذين ينكرون عموم أقضية الله في عبده، ويُخرِجون أفعال العبادِ عن كونها بقضائه وقدره، ويردُّون القضاء إلى الأمر والنَّهي! وعلى الجبْريَّة الذين يقولون: كلُّ مقدورٍ عدلٌ! فلا يبقى لقولِهِ: "عدْلٌ فيَّ قضاؤُك": فائدةٌ؛ فإنَّ العدل عندهم كلُّ ما يمكنُ فعلُه، والظلمُ هو المحالُ لذاتِهِ! فكأنَّه قال: ماضٍ ونافذٌ فيَّ قضاؤُك. وهذا هو الأولُ بعيِنهِ.

• وقولُهُ: "أسألُكَ بكلِّ اسم … " إلى آخرِهِ: توسُّلٌ إليه بأسمائه كلِّها؛ ما علم العبدُ منها وما لم يعلم. وهذه أحبُّ الوسائل إليه؛ فإنَّها


(١) ورد في قتل الحية حديث أخرجه البخاري (١٨٣٠) عن ابن مسعود. وفي قتل العقرب والكلب العقور أحاديث منها ما أخرجه البخاري (١٨٢٨) ومسلم (١٢٠٠) عن حفصة .
(٢) يعني كتابه "شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل".

<<  <  ج: ص:  >  >>