مشتغلًا بضدِّه جاء من جهة اللزوم العقليِّ، لكن إنما نهي عما يضادُّ ما أمر به كما تقدم. فكان المأمور به هو المقصود بالقصد الأول في الموضعين.
وحرف المسألة: أن طلب الشيء طلبٌ له بالذَّات ولما هو من ضرورته باللُّزوم، والنهي عن الشيء طلبٌ لتركه بالذات ولفعل ما هو من ضرورة الترك باللُّزوم، والمطلوب في الموضعين فعلٌ وكفٌّ، وكلاهما أمرٌ وجوديٌّ.
الوجه الرابع عشر: أنَّ الأمر والنهي في باب الطلب نظير النفي والإثبات في باب الخبر، والمدح والثناءُ لا يحصلان بالنفي المحض إن لم يتضمن ثبوتًا؛ فإن النفي كاسمه عدمٌ لا كمالَ فيه ولا مدحَ، فإذا تضمَّنَ ثبوتًا صحَّ المدحُ به؛ كنفي النسيان المستلزم لكمال العلم وبيانه، ونفي اللُّغوب والإعياء والتعب المستلزم لكمال القوة والقدرة، ونفي السِّنة والنوم المستلزم لكمال الحياة والقيُّومية، ونفي الولد والصاحبة المستلزم لكمال الغنى والملك والرُّبوبية، ونفي الشريك والوليِّ والشفيع بدون الإذن المستلزم لكمال التوحيد والتفرُّد بالكمال والإلهيَّة والملك، ونفي الظلم المتضمِّن لكمال العدل، ونفي إدراك الأبصار له المتضمن لعظمته وأنه أجلُّ من أن يُدرَك وإن رأته الأبصارُ، وإلَّا؛ فليس في كونه لا يُرى مدحٌ بوجهٍ من الوجوه؛ فإن العدم المحض كذلك.
وإذا عُرف هذا؛ فالمنهيُّ عنه إن لم يتضمن أمرًا وجوديًّا ثبوتيًّا لم يُمدَح بتركه ولم يُستحقَّ الثواب والثناء بمجرَّد الترك؛ كما لا يستحقُّ المدح والثناء بمجرَّد الوصف العدميِّ.
الوجه الخامس عشر: أن الله سبحانه جعل جزاء المأمورات عشرةَ