فإذا لم يكن كذلك لم يكنْ كمالًا؛ فلا يليقُ بمن يَسعَى في كمال نفسه المنافسةُ عليه، ولا الأسفُ على فوْتِهِ.
وذلك ليس إلا معرفة بارئِها وفاطرِها ومعبودِها وإلهِها الحقِّ الذي لا صلاحَ لها ولا نعيمَ ولا لذَّةَ إلَّا بمعرفته وإرادةِ وجهه وسلوكِ الطريقِ الموصلةِ إليه وإلى رضاهُ وكرامته، وأن تعتادَ ذلك فيصيرَ لها هيئةً راسخةً لازمة.
وما عدا ذلك من العلوم والإرادات والأعمال؛ فهي بينَ ما لا يَنفعُها ولا يُكمِّلُها وما يَعُودُ بضررها ونقصِها وألمِها، ولا سيَّما إذا صار هيئةً راسخةً لها؛ فإنَّها تُعَذَّبُ وتتألَّمُ به بحسب لزومهِ لها.
وأما الفضائلُ المنفصلةُ عنها كالملابس والمراكب والمساكن والجاه والمال؛ فتلك في الحقيقة عَوَارٍ أُعِيرَتْها مدةً، ثم يَرجعُ فيها المُعِيرُ، فتتألَّمُ وتَتعذَّبُ برجوعه فيها بحسب تعلُّقِها بها، ولا سيَّما إذا كانت هي غايةَ كمالِها؛ فإذا سُلِبَتْها أُحْضِرتْ أعظم النقص والألم والحسرةِ.
فليَتَدبَّرْ من يُرِيدُ سعادَة نفسه ولذَّتَها هذه النُّكْتَة؛ فأكثرُ هذا الخلقِ إنما يَسْعَون في حرمانِ نفوسهم وألمِها وحسرتها ونقصها من حيث يظنُّون أنَّهم يُريدون سعادتَها ونعيمَها؛ فلذَّتُها بحسبِ ما حصلَ لها من تلك المعرفة والمحبة والسلوك، وألمُها وحسرتُها بحسبِ ما فاتَها من ذلك.
ومتى عَدِمَ ذلك وخَلَا منه؛ لم يَبْقَ فيه إلّا القوى البدنيَّةُ النفسانيَّةُ التي بها يَأكلُ ويَشربُ ويَنكِحُ ويَغضَبُ ويَنالُ سائر لذَّاته ومرافقَ حياته ولا يَلحَقُهُ من جهتها شَرَفٌ ولا فضيلةٌ بل خَساسةٌ ومَنقصةٌ؛ إذا كان إنما يُناسِب بتلك القوى البهائمَ ويَتَّصلُ بجنسها ويَدخُل في جملتها ويَصِيرُ كأحدها، وربما زادتْ في تناولها عليه واختصَّتْ دونَه بسلامةِ عاقبتها والأمن من جَلْبِ الضررِ عليها.