للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعبوديته في قضاء المعايب: المبادرة إلى التوبة منها والتنصُّل والوقوف في مقام الاعتذار والانكسار، عالمًا بأنه لا يرفعُها عنه إلا هو، ولا يَقِيه شرَّها سواه، وأنها إن استمرَّت أبعدتْه من قربه وطَردتْه من بابه، فيراها من الضُّرِّ الذي لا يكشفه غيره، حتى إنه ليراها أعظم من ضر البدن؛ فهو عائذٌ برضاه من سخطه، وبعفوه من عقوبته، وبه منه، مستجيرٌ به منه، وملتجئٌ منه إليه، يعلم أنه إذا تخلى عنه وخلَّى بينه وبين نفسه فعنده أمثالُها وشرٌّ منها، وأنه لا سبيلَ له إلى الإقلاع والتوبة إلَّا بتوفيقه وإعانته، وأن ذلك بيده سبحانه لا بيد العبد؛ فهو أعجز وأضعف وأقل من أن يوفق نفسه أو يأتي بمرضاة سيده بدون إذنه ومشيئته وإعانته؛ فهو ملتجئٌ إليه، متضرِّعٌ، ذليلٌ، مسكين، مُلْقٍ نفسَه بين يديه، طريحٌ ببابه، مستخذٍ له، أذلُّ شيءٍ وأكسره له، وأفقره وأحوجه إليه، وأرغبُهُ فيه، وأحبه له، بدنه متصرفٌ في أشغاله، وقلبه ساجدٌ بين يديه، يعلم يقينًا أنه لا خير فيه ولا له ولا به ولا منه، وأن الخير كله لله وفي يديه وبه ومنه؛ فهو وليُّ نعمته، ومبتدئه بها من غير استحقاق، ومُجرِيها عليه مع تمقُّته إليه بإعراضه وغفلته ومعصيته؛ فحظُّه سبحانه الحمد والشكر والثناء، وحظُّ العبد الذمُّ والنقصُ والعيب، قد استأثر بالمحاميد والمدح والثناء، وولي العبدُ الملامةَ والنقائص والعيوب؛ فالحمدُ كلُّه له، والخير كلُّه في يديه، والفضلُ كلُّه له، والثناءُ كلُّه له، والمنةُ كلُّها له؛ فمنه الإحسانُ ومن العبد الإساءةُ، ومنه التودُّدُ إلى العبد بنعمه ومن العبد التبغُّضُ إليه بمعاصيه، ومنه النُّصح لعبده ومن العبد الغشُّ له في معاملته.

وأمَّا عبودية النِّعم فمعرفتها والاعتراف بها أولًا، ثم العياذُ به أن يقع في قلبه نسبتُها وإضافتُها إلى سواه وإن كان سببًا من الأسباب؛ فهو مسبّبه

<<  <  ج: ص:  >  >>