للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عواقبَ الأمور، والرِّضى بما يختارُهُ له ويقضيه له؛ لما يرجو فيه من حسن العاقبة.

ومنها: أنه لا يَقترِحُ على ربه ولا يختار عليه ولا يسأله ما ليس له به علمٌ؛ فلعل مضرته وهلاكه فيه وهو لا يعلم، فلا يختارُ على ربه شيئًا، بل يسأله حُسْنَ الاختيار له، وأن يُرضِيه بما يختاره؛ فلا أنفعَ له من ذلك.

ومنها: أنه إذا فَوَّضَ إلى ربه ورضي بما يختاره له؛ أمدَّه فيما يختاره له بالقوة عليه والعزيمة والصبر، وصَرَفَ عنه الآفاتِ التي هي عُرضة اختيارِ العبد لنفسه، وأراه من حسن عواقب اختياره له ما لم يكن ليصل إلى بعضه بما يختاره هو لنفسه.

ومنها: أنه يُرِيحه من الأفكار المُتعِبة في أنواع الاختيارات، ويُفرِّغ قلبَه من التقديرات والتدبيرات التي يَصعد منها في عقبةٍ وينزلُ في أخرى، ومع هذا فلا خروجَ له عما قُدِّر عليه؛ فلو رضي باختيار الله أصابه القدر وهو محمودٌ مشكورٌ ملطوفٌ به فيه، وإلَّا جري عليه القدرُ وهو مذمومٌ غيرُ ملطوفٍ به فيه؛ لأنه مع اختياره لنفسه.

ومتى صحَّ تفويضُهُ ورضاه اكتنفَه في المقدور العطفُ عليه واللطفُ به، فيصير بين عطفه ولطفه؛ فعطفهُ يَقِيه ما يحذره، ولطفُهُ يُهوِّنُ عليه ما قدَّرَهُ.

إذا نَفَذَ القدرُ في العبد كان من أعظم أسباب نفوذه تحيُّلُهُ في ردِّه؛ فلا أنفعَ له من الاستسلام وإلقاء نفسه بين يدي القدر طريحًا كالميتة؛ فإن السَّبُعَ لا يرضى بأكل الجِيَفِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>