للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصلت: ٤٥]، ولم يقل: في شكٍّ فيه، وجاء هذا في المصدر وإن لم يَجِئ في الفعل -فلا يقالُ: غَفَلْتُ منه ولا شَكَكْتُ منه- كأن غَفْلَتَهُ وشكَّه ابتداءٌ منه؛ فهو مبدأُ غفلتِهِ وشكِّه! وهذا أبلغ من أن يُقال: في غفلةٍ عنه وشكٍّ فيه؛ فإنه جعل ما ينبغي أن يكون مبدأ التذكرة واليقينِ ومنشأهما مبدأً للغفلةِ والشكِّ.

ثم أخبر أنَّ غطاءَ الغفلة والذُّهول يُكْشَفُ عنه ذلك اليوم كما يُكْشَفُ غطاءُ النوم عن القلب فيستيقظُ وعن العين فتنفتحُ؛ فنسبةُ كَشْفِ هذا الغطاءِ عن العبدِ عند المعاينةِ كنسبةِ كَشْفِ غطاءِ النوم عنه عند الانتباهِ.

ثم أخبر سبحانه أنَّ قرينَه -وهو الذي قُرِنَ به في الدُّنيا من الملائكةِ يَكْتُبُ عَمَلَه وقولَه- يقولُ لمَّا يُحْضِرُهُ: هذا الذي كنتَ وَكَلْتَني به في الدُّنيا قد أحضرتُه وأتيتكَ به. هذا قول مجاهدٍ (١).

وقال ابنُ قُتيبة (٢): المعنى: هذا ما كتبتُهُ عليه وأحصيتُهُ من قولِهِ وعملِهِ حاضرٌ عندي.

والتحقيقُ أن الآية تتضمَّنُ الأمرين؛ أي: هذا الشخص الذي وُكِلْتُ به، وهذا عَملُهُ الذي أحصيتُهُ عليه.

فحينئذٍ يُقالُ: ﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ﴾ [ق: ٢٤]، وهذا إما أن يكون خطابًا للسائقِ والشهيد، أو خطابًا للملك المُوَكَّل بعذابِهِ وإن كان واحدًا، وهو مذهبٌ معروفٌ من مذاهب العرب في خطابها، أو تكونُ الألفُ منقلبةً عن نون التأكيد الخفيفة ثمَّ أُجْرِيَ الوصلُ مُجرَى الوقفِ.


(١) انظر تفسير القرطبي (١٧/ ١٦) وابن كثير (٧/ ٣٢٩١).
(٢) "تأويل مشكل القرآن" (ص ٤٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>