للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اعلم أن العبد إذا شرع في قول أو عمل؛ يبتغي به مرضاة الله، مطالعًا فيه منَّةَ الله عليه به وتوفيقَه له فيه، وأنه بالله لا بنفسه ولا بمعرفته وفكره وحوله وقوَّته، بل هو بالذي أنشأ له اللسانَ والقلب والعين والأذن، فالذي منَّ عليه بذلك هو الذي مَنَّ عليه بالقول والفعل؛ فإذا لم يَغِبْ ذلك عن ملاحظته ونظر قلبه لم يَحضُره العُجْبُ الذي أصلُهُ رؤيةُ نفسه وغيَبتُهُ عن شهود مِنَّة ربِّه وتوفيقه وإعانته.

فإذا غابَ عن تلك الملاحظة وَثَبتِ النفسُ وقامت في مقام الدَّعوى، فوقع العُجب، ففسد عليه القول والعملُ: فتارةً يُحال بينه وبين تمامه ويُقطَع عليه، ويكون ذلك رحمةً به، حتى لا يغيب عن مشاهدة المنة والتوفيق. وتارةً يتمُّ له، ولكن لا يكون له ثمرةٌ، وإن أثمَر أثمرَ ثمرةً ضعيفةً غير محصلةٍ للمقصود. وتارةً يكون ضررُه عليها أعظمَ من انتفاعه، ويتولَّدُ له منه مفاسد شتَّى بحسب غيبته عن ملاحظة التوفيق والمنة ورؤيته نفسَه وأن القول والفعل به.

ومن هذا الموضع يُصلِحُ اللَّهُ سبحانه أقوالَ عبده وأعماله ويُعظِم له ثمرتَها أو يُفسِدُها عليه ويمنعه ثمرتها؛ فلا شيءَ أفسدُ للأعمال من العُجْب ورؤية النفس.

فإذا أراد الله بعبده خيرًا أشهده منتَه وتوفيقه وإعانتَه له في كل ما يقوله ويفعله، فلا يُعجَب به، ثم أشهده تقصيره فيه، وأنه لا يرضى لربه به، فيتوب إليه منه ويستغفره ويستحيي أن يطلب عليه أجرًا. وإذا لم يُشهِده ذلك، وغيَّبهُ عنه، فرأى نفسه في العمل، ورآه بعين الكمال والرضى، لم يقع ذلك العمل منه موقع القبول والرِّضى والمحبة.

فالعارفُ يعمل العمل لوجهه، مشاهدًا فيه منته وفضلهُ وتوفيقه،

<<  <  ج: ص:  >  >>