للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالت طائفةٌ: بل قرينُه ها هنا هو المَلَكُ، فيدَّعي عليهِ أنَّه زاد عليه فيما كَتبَهُ عليه وطَغَى، وأنَّه لم يَفْعَلْ ذلك كلَّه، وأنه أعْجَلَهُ بالكتابةِ عن التوبة، ولم يُمْهِلْهُ حتى يتوبَ! فيقولُ المَلَكُ: ما زِدتُ في الكتابةِ على ما عَمِلَ، ولا أَعجَلْتُه عن التوبة، ﴿وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (٢٧)[ق: ٢٧].

فيقولُ الربُّ تعالى: ﴿لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ﴾ [ق: ٢٨]، وقد أخْبَرَ سبحانَه عن اختصام الكُفَّار والشياطين بين يديه في سورتي (١) الصافات والأعراف، وأخبرَ عن اختصام الناس بين يديهِ سبحانَه في سورة الزمر، وأخبَر عن اختصام أهلِ النارِ فيها في سورة الشعراءِ وسورةِ ص.

ثم أخبر سبحانه أنه لا يُبدَّلُ القولُ لديه، فقيلَ: المرادُ بذلك: قولُه: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩)[هود: ١١٩]، ووَعْدُه لأهل الإيمان بالجنة، وأنَّ هذا لا يُبدَّلُ ولا يُخْلفُ. قال ابن عباس: يرِيدُ: ما لِوَعْدِي خُلْفٌ لأهل طاعتي ولا أهل معصيتي. قال مجاهدٌ: قد قَضَيتُ ما أنا قاضٍ. وهذا أصحُّ القولين في الآية (٢).

وفيها قولٌ آخرُ: أن المعنى: ما يُغيَّرُ القولُ عندي بالكذبِ والتلبيسِ كما يُغيَّرُ عند الملوكِ والحُكَّام، فيكون المرادُ بالقول قولَ المختصمين، وهو اختيارُ الفرَّاءِ وابنِ قُتيبةَ. قال الفرَّاءُ (٣): المعنى: ما يُكْذَبُ عندي لعِلْمي بالغيبِ. وقال ابنُ قُتيبة (٤). أي: ما يُحَرَّفُ القولُ عندي ولا يُزادُ


(١) الأصل: "سورة".
(٢) انظر تفسير الطبري (٢١/ ٤٤٣) وابن كثير (٧/ ٣٢٩٣).
(٣) "معاني القرآن" (٣/ ٧٩).
(٤) "تأويل مشكل القرآن" (ص ٤٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>