للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن عباس: حجب الذَّات بالصفات، وحجب الصفات بالأفعال؛ فما ظنك بجمال حُجِبَ بأوصاف الكمال، وسُتِرَ بنعوت العظمة والجلال؟!

ومن هذا المعنى يُفهَم بعضُ معاني جمال ذاته؛ فإن العبد يترقى من معرفة الأفعال إلى معرفة الصفات، ومن معرفة الصفات إلى معرفة الذات؛ فإذا شاهد شيئًا من جمال الأفعال استدل به على جمال الصفات، ثم استدل بجمال الصفات على جمال الذات.

ومن ها هنا يتبين أنه سبحانه له الحمد كله، وأن أحدًا من خلقه لا يحصي ثناءً عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، وأنه يستحق أن يُعبَد لذاته ويُحَبّ لذاته ويُشكَر لذاته، وأنه سبحانه يُحِبّ نفسه ويُثني على نفسه ويحمد نفسه، وأن محبته لنفسه وحمده لنفسه وثناءه على نفسه وتوحيده لنفسه هو في الحقيقة الحمد والثناء والحب والتوحيد؛ فهو سبحانه كما أثنى على نفسه وفوق ما يثني به عليه خلقه، وهو سبحانه كما يحب ذاته يحب صفاته وأفعاله؛ فكل أفعاله حسن محبوب، وإن كان في مفعولاته ما يُبغضه ويكرهه؛ فليس في أفعاله ما هو مكروهٌ مسخوطٌ، وليس في الوجود ما يُحَب لذاته ويُحمَد لذاته إلا هو سبحانه، وكل ما يُحَبّ سواه؛ فإن كانت محبته تابعةً لمحبته سبحانه بحيث يحب لأجله فمحبته صحيحةٌ، وإلَّا فهي محبةٌ باطلةٌ، وهذا هو حقيقة الإلهية؛ فإن الإله الحق هو الذي يُحَبّ لذاته ويُحمَد لذاته؛ فكيف إذا انضاف إلى ذلك إحسانه وإنعامه وحلمه وتجاوزه وعفوه وبره ورحمته؟!

فعلى العبد أن يعلم أنه لا إله إلا الله فيحبه ويحمده لذاته وكماله، وأن يعلم أنه لا مُحسِن على الحقيقة بأصناف النعم الظاهرة والباطنة إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>