يُقارِفونَ بعضَ ما يُقارِفُهُ غيرُهم من الذُّنوب، ولكن لا يَترُكُهم سبحانه مُصرِّين عليها، بل يُوفِّقُهم لتوبةٍ نَصوحٍ واستغفارٍ وحسنات تمحو أثرَ ذلك، ويكونُ تخصيصُهم بهذا دون غيرهم، لأنَّه قد تَحقَّق ذلك فيهم وأنهم مغفورٌ لهم، ولا يمنعُ ذلك كونَ المغفرةِ حصلتْ بأسبابٍ تقومُ بهم؛ كما لا يقتضي ذلك أن يُعطِّلوا الفرائض وثوقًا بالمغفرة؛ فلو كانت قد حَصَلتْ بدون الاستمرار على القيام بالأوامر؛ لما احتاجوا بعد ذلك إلى صلاة ولا صيام ولا حجٍّ ولا زكاةٍ ولا جهادٍ! وهذا محالٌ! ومن أوجب الواجباتِ التوبةُ بعد الذنب؛ فضَمانُ المغفرةِ لا يُوجِبُ تعطيلَ أسبابَ المغفرة.
ونظيرُ هذا قولُه في الحديث الآخر:"أذْنَبَ عبدٌ ذنبًا، فقال: أي ربِّ! أذْنَبْتُ ذنبًا؛ فاغْفِرْهُ لي! فغفر لهُ. ثمَّ مكثَ ما شاء الله أن يمكُث، ثمَّ أذْنَبَ ذنبًا آخر، فقال: أي رَبِّ! أصَبْتُ ذنبًا؛ فاغْفِرْهُ لي! فغفرَ له. ثمَّ مكث ما شاء الله أن يمْكُثَ، ثمَّ أذْنَبَ ذنبًا آخر، فقال: رَبِّ! أصبْتُ ذنبًا؛ فاغْفِرْهُ لي! فقال الله: علِمَ عبدي أنَّ لهُ ربًّا يغْفِرُ الذَّنْبَ ويأخُذُ بِهِ، قَدْ غَفَرْتُ لعبدي؛ فليَعْمَلْ ما شاءَ"(١).
فليس في هذا إطلاقٌ وإذنٌ منه سبحانه له في المحرَّماتِ والجرائم، وإنما يدلُّ على أنَّه يَغْفِرُ له ما دام كذلك إذا أذنب تابَ.
واختصاصُ هذا العبد بهذا -لأنَّه قد علمَ أنَّه لا يُصِرُّ على ذنبٍ وأنَّه كلما أذنب تابَ- حكمٌ يَعُمُّ كلَّ من كانت حالُه حاله، لكنَّ ذلك العبد مقطوعٌ له بذلك كما قُطعَ به لأهل بدرٍ.
(١) أخرجه البخاري (٧٥٠٧) ومسلم (٢٧٥٨) من حديث أبي هريرة.