للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخير (١).

والمقصود أنه سبحانه جعل لنا الأرض كالجمل الذَّلول الذي كيفما يُقادُ ينقادُ.

وحَسُنَ التعبيرُ بمناكبها عن طُرُقِها وفجاجِها لما تقدَّم من وصفها بكونها ذلولًا؛ فالماشي عليها يَطأُ على مناكبَها، وهي (٢) أعلى شيءٍ فيها، ولهذا فُسِّرت المناكب بالجبال؛ كمناكب الإنسان، وهي أعاليه. قالوا: وذلك تنبيهٌ على أن المشي في سهولِها أيسرُ. وقالت طائفةٌ: بل المناكب الجوانبُ والنواحي، ومنه مناكبُ الإنسانِ لجوانبه.

والذي يظهرُ أن المراد بالمناكب الأعالي، وهذا الوجهُ الذي يمشي عليه الحيوانُ هو العالي من الأرض دون الوجه المقابل له؛ فإنَّ سطح الكُرَةِ أعلاها، والمشيُ إنَّما يَقعُ في سَطْحِها، وحسُنَ التعبيرُ عنه بالمناكب لما تقدَّم من وصفها بأنَّها ذَلولٌ.

ثم أمرَهُم أن يأكلوا من رزقه الذي أودعه فيها؛ فذَلَّلها لهم، ووطَّأها، وفتَقَ فيها السُّبُل والطرق التي يمشون فيها، وأوْدَعَها رِزْقَهم؛ فذَكَرَ تهيئة المسكن للانتفاع والتقلُّب فيه بالذَّهابِ والمجيء والأكَل مما أُوْدِعَ فيه للساكن.

ثم نبَّه بقولِهِ: ﴿وَإِلَيهِ النُّشُورُ (١٥)﴾ على أنَّا في هذا المسكن غيرُ مستوطنين ولا مقيمين، بل دخلْناه عابرِي سبيلٍ؛ فلا يَحْسُنُ أن نتَّخِذَه


(١) يعني أنه ليس هناك شيء حاصل من التراب خيرًا من التراب وأقرب إلى الخير منه.
(٢) في الأصل: "هو".

<<  <  ج: ص:  >  >>