للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزمان، وجعل الآخرةَ خيرًا من الأولى، والنهاياتِ أكملَ من البدايات؛ فكم بين قول الملَكِ للرسول: اقْرَأْ! فيقولُ: ما أنا بقارئ (١). وبين قولِهِ تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣]!

السادسة: أنَّه سبحانه جمعَ ما فرَّقَه في العالم في آدم؛ فهو العالم الصغير وفيه ما في العالم الكبير.

السابعة: أنه خلاصة الوجود وثمرتُهُ، فناسب أن يكون خلقُهُ بعد الموجودات.

الثامنة: أنَّ هذا من كرامته على خالقه أنه هيَّأ له مصالحَه وحوائجَه وآلاتِ معيشتِهِ وأسبابَ حياتِهِ؛ فما رفعَ رأسَه إلَّا وذلك كلُّه حاضرٌ عتيدٌ.

التاسعة: أنَّه سبحانه أراد أن يُظهِرَ شرفَهُ وفضلَهُ على سائر المخلوقات، فقدَّمها عليه في الخلق، ولهذا قالت الملائكةُ: ليخلُقْ ربُّنا ما شاء؛ فلنْ يَخلُقَ خلقًا أكرمَ عليه منا (٢). فلما خلق آدم وأمرهم بالسجود له ظهر فضلُهُ وشرفُهُ عليهم بالعلم والمعرفة. فلما وقعَ في الذنبِ ظنَّتِ الملائكة أن ذلك الفضل قد نُسِخ، ولم تطَّلعْ على عبوديَّةِ التوبةَ الكامنة. فلما تاب إلى ربِّه، وأتى بتلك العبوديَّة؛ علمتِ الملائكةُ أنَّ لله في خلقِهِ سرًّا لا يعلمُهُ سواه.

العاشرةُ: أنه سبحانه لما افتتحَ خلقَ هذا العالم بالقلم كان من أحسن المناسبة أن يختمه بخلق الإنسان؛ فإنَّ القلم آلةُ العلم، والإنسان هو


(١) كما في حديث عائشة في بدء الوحي الذي أخرجه البخاري (٣) ومسلم (١٦٠).
(٢) انظر "العظمة" لأبي الشيخ (٥/ ١٥٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>