وَفِي الْمَطْلَبِ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْخُنْثَى إذَا تَعَارَضَ الْبَوْلُ مَعَ الْحَيْضِ فَلَا دَلَالَةَ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ بَالَ مِنْ فَرْجِ الرَّجُل وَحَكَمْنَا بِذُكُورَتِهِ ثُمَّ حَاضَ فِي أَوَانِهِ حَكَمْنَا بِإِشْكَالِهِ إذْ الْبَوْلُ يَتَقَدَّمُ إمْكَانَ الْحَيْضِ.
قَالَ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ نَقْض لِلِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ النَّقْضَ الْمُمْتَنِعَ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَحْكَامِ الْمَاضِيَةِ وَنَحْنُ لَا نَتَعَرَّضُ لَهَا وَإِنَّمَا غَيَّرْنَا الْحُكْمَ لِانْتِفَاءِ الْمُرَجَّحِ الْآن وَصَارَ كَالْمُجْتَهِدِ فِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ دَلِيلٌ فَأَخَذَ بِهِ ثُمَّ عَارَضَهُ دَلِيلٌ آخَرُ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَنْ الْأَخْذِ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَا يَنْقُضُ مَا مَضَى.
[مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ قَاعِدَةِ الِاجْتِهَادُ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ]
الثَّالِث اُسْتُثْنِيَ مِنْ الْقَاعِدَةِ صُوَرٌ:
الْأُولَى: لِلْإِمَامِ الْحِمَى وَلَوْ أَرَادَ مَنْ بَعْدَهُ نَقْضَهُ فَلَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحّ لِأَنَّهُ لِلْمَصْلَحَةِ وَقَدْ تَتَغَيَّرُ وَمَنَعَ الْإِمَامُ الِاسْتِثْنَاءَ وَقَالَ لَيْسَ مَأْخَذُ التَّجْوِيزِ هَذَا وَلَكِنَّ حِمَى الْأَوَّلِ كَانَ لِلْمَصْلَحَةِ وَهِيَ الْمُتَّبَعُ فِي كُلّ عَصْرٍ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ قَسَمَ فِي قِسْمَةِ إجْبَارٍ ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِغَلَطِ الْقَاسِمِ أَوْ حَيْفِهِ نَقَضَتْ مَعَ أَنَّ الْقَاسِمَ قَسَمَ بِاجْتِهَادِهِ فَنَقَضَ الْقِسْمَةَ بِقَوْلِ مِثْلِهِ وَالْمَشْهُود بِهِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ مُشْكِلٌ وَقَدْ اسْتَشْكَلَهُ صَاحِبُ الْمَطْلَبِ لِذَلِكَ.
الثَّالِثَةُ: إذَا قَوَّمَ الْمُقَوِّمُونَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى صِفَةِ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ بَطَل تَقْوِيمُ الْأَوَّل لَكِنَّ هَذَا يُشْبِهُ نَقْضَ الِاجْتِهَادِ بِالنَّصِّ لَا بِالِاجْتِهَادِ.
الرَّابِعَةُ لَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً وَحُكِمَ لَهُ بِهَا وَصَارَتْ الدَّارُ فِي يَدِهِ ثُمَّ أَقَامَ الدَّاخِلُ بَيِّنَةً حُكِمَ لَهُ بِهَا وَنُقِضَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَضَى لِلْخَارِجِ لِعَدَمِ حُجَّةِ صَاحِبِ الْيَدِ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي الرَّافِعِيِّ.
وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: فِي الْإِشْرَافِ. قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: أَشْكَلَتْ عَلَيَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُنْذُ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، لِمَا فِيهَا مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ، وَتَرَدَّدَ جَوَابِي، ثُمَّ اسْتَقَرَّ رَأْيِي عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ.
[فَائِدَة: تَرْجِيح الْحَاكِم قولا مَنْقُولًا]
فَائِدَةٌ: قَالَ السُّبْكِيُّ: إذَا كَانَ لِلْحَاكِمِ أَهْلِيَّةُ التَّرْجِيحِ وَرَجَّحَ قَوْلًا مَنْقُولًا بِدَلِيلٍ جَيِّدٍ جَازَ، وَنَفَذَ حُكْمُهُ. وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا عِنْد أَكْثَر الْأَصْحَابِ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مَذْهَبِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالشَّاذِّ الْغَرِيبِ فِي مَذْهَبِهِ، وَإِنْ تَرَجَّحْ عِنْده ; لِأَنَّهُ كَالْخَارِجِ عَنْ مَذْهَبِهِ فَلَوْ حَكَمَ بِقَوْلٍ خَارِجٍ عَنْ مَذْهَبِهِ وَقَدْ ظَهَرَ لَهُ رُجْحَانُهُ، فَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ الْإِمَامُ فِي التَّوْلِيَةِ الْتِزَامَ