للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ: صِفَاتُ الْحُقُوقِ لَا تُفْرَدُ بِالْإِسْقَاطِ ; لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ، فَلَوْ أَسْقَطَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ الْأَجَلَ ; لَمْ يَسْقُطْ، وَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ مُطَالَبَتِهِ فِي الْحَالِ، فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ صِفَةٌ تَابِعَةٌ وَالصِّفَةُ لَا تُفْرَدُ بِالْإِسْقَاطِ، وَكَذَا لَوْ أَسْقَطَ الْجَوْدَةَ أَوْ الصِّحَّةَ لَا تَسْقُطُ، جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ.

وَلَوْ أَسْقَطَ الرَّهْنَ، أَوْ الْكَفِيلَ سَقَطَ فِي الْأَصَحِّ.

وَقَالَ الْجُوَيْنِيُّ: لَا كَالْأَجَلِ، وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّ شَرْطَ الْقَاعِدَةِ: أَنْ لَا يَكُونَ الْوَصْفُ مِمَّا يُفْرَدُ بِالْعَقْدِ، كَالرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ، بِخِلَافِ الْأَجَلِ، فَإِنَّهُ وَصْفٌ لَازِمٌ لَا يُمْكِنُ إنْشَاؤُهُ بِعَقْدٍ مُسْتَقِلٍّ.

[الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ: التَّابِعُ يَسْقُطُ بِسُقُوطِ الْمَتْبُوعِ]

الثَّانِيَةُ التَّابِعُ يَسْقُطُ بِسُقُوطِ الْمَتْبُوعِ وَمِنْ فُرُوعِهِ: مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي أَيَّامِ الْجُنُونِ، لَا يُسْتَحَبُّ قَضَاءُ رَوَاتِبِهَا ; لِأَنَّ الْفَرْضَ سَقَطَ، فَكَذَا تَابِعُهُ.

وَمِنْهَا: مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَتَحَلَّلَ بِالطَّوَافِ، وَالسَّعْيِ، وَالْحَلْقِ، لَا يَتَحَلَّلُ بِالرَّمْيِ، وَالْمَبِيتِ لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِع الْوُقُوفِ، وَقَدْ سَقَطَ فَيَسْقُطُ التَّابِعُ.

وَمِنْهَا: إذَا بَطَل أَمَانُ رِجَالِ، أَوْ أَشْرَافٍ، فَفِي وَجْهٍ: يَبْطُلُ الْأَمَانُ فِي الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ، وَالسُّوقَةِ ; لِأَنَّهُمْ إنَّمَا دَخَلُوا فِي الْأَمَانِ تَبَعًا، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ.

وَمِنْهَا: لَوْ مَاتَ الْفَارِسُ سَقَطَ سَهْمُ الْفَرَسِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ: فَإِذَا فَاتَ الْأَصْلُ سَقَطَ. وَلَوْ مَاتَ الْفَرَسُ اسْتَحَقَّ الْفَارِسُ سَهْمَ الْفَرَسِ ; لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ.

وَمِنْهَا: لَوْ مَاتَ الْغَازِي، فَفِي قَوْلٍ: لَا يُصْرَفُ لِأَوْلَادِهِ وَزَوْجَتِهِ مِنْ الدِّيوَانِ لِأَنَّ تَبَعِيَّتَهُمْ زَالَتْ بِمَوْتِهِ، وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ، تَرْغِيبًا فِي الْجِهَادِ.

وَمِنْهَا: لَوْ امْتَنَعَ غَسْلَ الْوَجْهِ فِي الْوُضُوءِ لِعِلَّةٍ بِهِ، وَمَا جَاوَرَهُ صَحِيحٌ، لَمْ يُسْتَحَبَّ غَسْلُهُ لِلْغُرَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَطْلَبِ وَأَقَرَّهُ ; لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِغَسْلِ الْوَجْهِ، فَسَقَطَ لِسُقُوطِهِ لَكِنْ جَزَمُوا بِأَنَّهُ لَوْ قُطِعَ مِنْ فَوْقِ الذِّرَاعِ نُدِبَ غَسْلُ بَاقِي عَضُدِهِ، مُحَافَظَةً عَلَى التَّحْجِيلِ.

قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: وَإِنَّمَا لَمْ يَسْقُطْ التَّابِعُ فِي هَذِهِ الصُّورَة لِسُقُوطِ الْمَتْبُوعِ، كَمَنْ فَاتَتْهَا صَلَاةٌ زَمَنَ الْحَيْضِ وَالْجُنُونِ فَإِنَّهَا لَا تَقْضِي رَوَاتِبَهَا، كَمَا لَا يُقْضَى الْفَرْضُ ; لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ فِيمَا ذُكِرَ رُخْصَةٌ مَعَ إمْكَانِهِ، فَإِذَا سَقَطَ الْأَصْلُ مَعَ إمْكَانِهِ، فَالتَّابِعُ أَوْلَى. وَسُقُوطُ الْأَصْلِ هُنَا لِتَعَذُّرِهِ، وَالتَّعَذُّرُ مُخْتَصٌّ بِالذِّرَاعِ، فَبَقِيَ الْعَضُدُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ، وَصَارَ كَالْمُحْرِمِ الَّذِي لَا شَعْرَ عَلَى رَأْسِهِ، يُنْدَبُ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَيْهِ. كَذَا فَرَّقَ الْجُوَيْنِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ.

<<  <   >  >>