وَلَا شَكَّ أَنَّ لِلْإِمَامِ: أَنْ يَخُصَّ كُلَّ طَائِفَةٍ بِنَوْعٍ مِنْ الْمَالِ. وَالثَّانِي: يَمْلِكُونَ بِالْحِيَازَةِ، وَالِاسْتِيلَاءِ التَّامِّ ; لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ عَلَى مَا لَيْسَ بِمَعْصُومٍ مِنْ الْمَالِ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ ; وَلِأَنَّ مِلْكَ الْكُفَّارِ زَالَ بِالِاسْتِيلَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَمْلِكُوا لَزَالَ الْمِلْكُ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ. لَكِنَّهُ مِلْكٌ ضَعِيفٌ، يَسْقُطُ بِالْإِعْرَاضِ.
الثَّالِثُ: مَوْقُوفٌ إنْ سَلِمَتْ الْغَنِيمَةُ، حَتَّى قَسَمُوهَا. بَانَ أَنَّهُمْ مَلَكُوا بِالِاسْتِيلَاءِ وَإِنْ تَلِفَتْ، أَوْ أَعْرَضُوا ; تَبَيَّنَّا عَدَمَ الْمِلْكِ، وَحِينَئِذٍ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ نَظَائِرِ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
[اسْتِقْرَار الْمِلْكِ فِي الْمَبِيعِ]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ فِي الِاسْتِقْرَارِ يَسْتَقِرُّ الْمِلْكُ فِي الْمَبِيعِ، وَنَحْوِهِ، مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَالْمُصَالَحِ عَلَيْهِ، وَالصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ بِالتَّسْلِيمِ. وَتَسْتَقِرُّ الْأُجْرَةُ فِي الْإِجَارَةِ: بِالِاسْتِيفَاءِ، وَبِقَبْضِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَإِمْسَاكِهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ أَوْ مُدَّةُ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَأْجَرَ لِلرُّكُوبِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ.
وَسَوَاءٌ إجَارَةُ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ. وَتَسْتَقِرُّ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ: أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِذَلِكَ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَيَسْتَقِرُّ الصَّدَاقُ بِوَاحِدٍ مِنْ شَيْئَيْنِ: الْوَطْءُ، وَالْمَوْتُ. وَأَوْرَدَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَلَيْهِمْ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ فِي الْمُعَيَّنِ أَيْضًا ; لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الصَّدَاقَ قَبْلَ الْقَبْضِ مَضْمُونٌ ضَمَانَ عَقْدٍ، كَالْبَيْعِ، فَكَمَا قَالُوا: إنَّ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ، غَيْرُ مُسْتَقَرٍّ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ قَدْ قُبِضَ: فَكَذَلِكَ الصَّدَاقُ.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِقْرَارِ هُنَا: الْأَمْنُ مِنْ سُقُوطِ الْمَهْرِ، أَوْ بَعْضِهِ بِالتَّشَطُّرِ.
وَفِي الْمَبِيعِ: الْأَمْنُ مِنْ الِانْفِسَاخِ. فَالْمَبِيعُ: إذَا تَلِفَ. انْفَسَخَ الْبَيْعُ. وَالصَّدَاقُ الْمُعَيَّنُ، إذَا تَلِفَ قَبْلَ الْقَبْضِ: لَمْ يَسْقُطْ الْمَهْرُ، بَلْ يَجِبُ بَدَلُ الْبِضْعِ، فَاقْتَرَنَ الْبَابَانِ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ فِي نُكَتِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي جَلَالُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ: لَمْ يُبَيِّنْ الْأَصْحَابُ مَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ فِي بَابِ الصَّدَاقِ، حَتَّى خَفِيَ مَعْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَمَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْمُعَيَّنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute