للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْحُرُوفِ، وَالْكَلِمَاتِ، لَكِنَّهُ يَخْتَلِفُ سُهُولَةً، وَصُعُوبَةً، وَتَابَعَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ فَقَالَ: لِأَنَّ الْقِيَام بِتَعْلِيمِ نِصْفٍ مُشَاعٍ، لَا يُمْكِنُ. وَالْقَوْلُ بِاسْتِحْقَاقِ نِصْفٍ مُعَيَّنٍ: تَحَكُّمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ: فَإِنَّ السُّورَةَ الْوَاحِدَةَ مُخْتَلِفَةُ الْآيَاتِ، فِي الطُّولِ، وَالْقِصَرِ، وَالصُّعُوبَةِ، وَالسُّهُولَةِ، فَتَعَيَّنَ الْبَدَلُ.

وَاعْتُرِضَ هَذَا الْجَوَابُ: بِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالطَّلَاقِ، قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِتَعَذُّرِ التَّعْلِيمِ، وَلَوْ طَلَّقَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَالْمُسْتَحَقُّ بَعْدَ الدُّخُولِ: تَعْلِيمُ الْكُلّ.

وَأَجَابَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ جَلَالُ الدِّينِ الْمَحَلِّيُّ ; فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ إبَاحَةِ النَّظَر لِلتَّعْلِيمِ: تَفَرَّدَ بِهِ، وَهُوَ خَاصٌّ بِالْأَمْرَدِ ; لِأَنَّهُ لَمَّا حُرِّمَ النَّظَرُ إلَيْهِ مُطْلَقًا، وَلَوْ بِلَا شَهْوَةٍ، اُسْتُشْعِرَ أَنْ يُورَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَمْرَدَ يَحْتَاج إلَى مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ لِلتَّعْلِيمِ، وَيَشُقُّ عَلَيْهِ الِاحْتِجَابُ وَالتَّسَتُّرُ. وَمَا زَالَ السَّلَفُ، وَالْعُلَمَاءُ عَلَى مُخَالَطَةِ الْمُرْدِ وَمُجَالَسَتِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ فَاسْتُثْنِيَ النَّظَرُ لِلتَّعْلِيمِ لِذَلِكَ.

وَأَمَّا الْمَرْأَةُ: فَلَا تَحْتَاجُ إلَى التَّعْلِيمِ: كَاحْتِيَاجِ الْأَمْرَدِ.

وَأَمَّا الْوَاجِبَاتُ: فَلَا تَعْدَمُ مَنْ يُعَلِّمُهَا إيَّاهَا: مِنْ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَكَانَ شَيْخُنَا قَاضِي الْقُضَاةِ: شَرَفُ الدِّينِ الْمُنَاوِيُّ يَأْبَى هَذَا الْجَوَابَ وَيَقُولُ بِعُمُومِ الْإِبَاحَةِ لِلْمَرْأَةِ أَيْضًا ; وَيُجِيب عَنْ مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ: بِأَنَّ الْمُطَلَّقَة امْتَدَّتْ إلَيْهَا الْأَطْمَاعُ، فَنَاسَبَ أَنْ لَا يُؤْذَنَ فِي النَّظَرِ إلَيْهَا، بِخِلَافِ غَيْرِهَا.

وَالتَّحْقِيقُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ وَقَدْ أَشَارَ إلَى نَحْوِ مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، فَقَالَ: قَدْ كَشَفْت كُتُبَ الْمَذْهَبِ ; فَإِنَّمَا يَظْهَرُ مِنْهَا جَوَازُ النَّظَرِ لِلتَّعْلِيمِ، فِيمَا يَجِبُ تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ ; كَالْفَاتِحَةِ ; وَمَا يَتَعَيَّن مِنْ الصَّنَائِعِ بِشَرْطِ التَّعَذُّرِ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ. وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ ; فَإِنَّ كَلَامَهُمْ يَقْتَضِي الْمَنْعَ ثُمَّ اسْتَشْهَدَ بِالْمَذْكُورِ فِي الصَّدَاقِ.

[الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ: الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ]

[الْمَبْحَثُ الْأَوَّل: فِيمَا تَثْبُت بِهِ الْعَادَةُ]

الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ.

قَالَ الْقَاضِي: أَصْلُهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» قَالَ الْعَلَائِيُّ: وَلَمْ أَجِدْهُ مَرْفُوعًا فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ أَصْلًا وَلَا بِسَنَدٍ ضَعِيفِ بَعْدَ طُولِ الْبَحْثِ وَكَثْرَةِ الْكَشْفِ وَالسُّؤَالِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ.

<<  <   >  >>