قَالَ: وَإِذَا فَعَلَ الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ قُرْبَةً، يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لِصِحَّتِهَا، كَالصَّدَقَةِ، وَالضِّيَافَةِ وَالْإِعْتَاقِ، وَالْقَرْضِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَإِنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ، فَلَا ثَوَابَ لَهُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ، لَكِنْ يُطْعَمُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، وَيُوَسَّعُ فِي رِزْقِهِ، وَعَيْشِهِ، فَإِذَا أَسْلَمَ، فَالصَّوَابُ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ، فَحَسُنَ إسْلَامُهُ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ كُلَّ حَسَنَةٍ كَانَ أَزْلَفَهَا» أَيْ قَدَّمَهَا.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ قُلْت «يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْت أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ: مِنْ صَدَاقَةٍ، أَوْ عَتَاقَةٍ، أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ، أَفِيهَا أَجْرٌ؟ فَقَالَ: أَسْلَمْت عَلَى مَا أَسْلَفْت مِنْ خَيْرٍ» فَهَذَانِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ لَا يَمْنَعهُمَا عَقْلٌ، وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِخِلَافِهِمَا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِمَا وَقَدْ نُقِلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ إثْبَاتِ ثَوَابِهِ إذَا أَسْلَمَ، وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ: لَا تَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ عِبَادَةٌ، وَلَوْ أَسْلَمَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا، فَمُرَادُهُمْ لَا يُعْتَدُّ بِهَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ فَإِنْ أَطْلَقَ مُطْلِقٌ أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ، فَهُوَ مُجَازِفٌ غَالِطٌ، مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لَا مُعَارِضَ لَهَا.
وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَالْأَصْحَابُ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ: إذَا لَزِمَ الْكَافِرُ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ، أَوْ غَيْرَهَا، فَكَفَّرَ فِي حَالَ كُفْرِهِ أَجْزَأَهُ، وَإِذَا أَسْلَمَ لَا تَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا. اهـ كَلَامُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.
[قَاعِدَةٌ: تَجْرِي عَلَى الذِّمِّيِّ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ إلَّا مَا يُسْتَثْنَى]
قَاعِدَةٌ:
تَجْرِي عَلَى الذِّمِّيِّ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ إلَّا مَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ لَا يُؤْمَرُ بِالْعِبَادَاتِ وَلَا تَصِحُّ مِنْهُ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ جُنُبَا بِخِلَافِهِ حَائِضًا وَلَيْسَ لَهُ دُخُولُهُ بِلَا إذْنٍ وَيُعَزَّرُ إنْ فَعَلَهُ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُ لِنَوْمٍ أَوْ أَكْلٍ، بَلْ لِسَمَاعِ قُرْآنٍ أَوْ عِلْمٍ وَلَا يَصِحُّ نَذْرُهُ وَلِلْإِمَامِ اسْتِئْجَارُهُ عَلَى الْجِهَادِ وَلَا يُحَدُّ لِشُرْبِ الْخَمْرِ وَلَا تُرَاقُ عَلَيْهِ، بَلْ تُرَدُّ إذَا غُصِبَتْ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُظْهِرَ شُرْبَهَا أَوْ بَيْعَهَا وَلَا يُمْنَعُ مِنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ وَلَا مِنْ تَعْظِيمِ الْمُسْلِمِ بِحَنْيِ الظَّهْرِ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَيَنْكِحُ الْأَمَةَ بِلَا شَرْطٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute