قَالَ الْعَلَائِيُّ: وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا: الْإِقْطَاعُ " عَلَى الرَّأْيِ الْمُخْتَارِ " فَإِنَّ الْمُقْطِعَ لَمْ يَمْلِكْ إلَّا أَنْ يَنْتَفِعَ، بِدَلِيلِ الِاسْتِرْجَاعِ مِنْهُ، مَتَى شَاءَ الْإِمَامُ، فَلَيْسَ لَهُ الْإِجَارَةُ، إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْإِمَامُ أَوْ يَسْتَقِرَّ الْعُرْفُ بِذَلِكَ. كَمَا فِي الْإِقْطَاعَاتِ بِدِيَارِ مِصْرَ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي كَانَ يُفْتِي بِهِ شَيْخُنَا بُرْهَانُ الدِّينِ، وَكَمَالُ الدِّينِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِهِمَا تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ. وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ: صِحَّةُ إجَارَةِ الْأَقْطَاعِ، وَشَبَّهَهُ بِالصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ.
قَالَ الْعَلَائِيُّ: وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الزَّوْجَةَ مَلَكَتْ الصَّدَاقَ بِالْعَقْدِ مِلْكًا تَامًّا، وَإِذَا قَبَضَتْهُ كَانَ لَهَا التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، وَالْإِقْطَاعُ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنَافِعِ إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً أَوْ مُقَيَّدَةً بِالتَّأْبِيدِ أَوْ بِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ كَالسَّنَةِ مَثَلًا يَكُونُ تَمْلِيكًا لَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَتَصِحُّ إجَارَتُهَا وَإِعَارَتُهَا، وَالْوَصِيَّةُ بِهَا وَتَنْتَقِلُ عَنْ الْمُوصَى لَهُ بِمَوْتِهِ إلَى وَرَثَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا إذَا قَالَ أَوْصَيْت لَك بِمَنَافِعِهِ مُدَّةَ حَيَاتِك فَهُوَ إبَاحَةٌ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ وَلَيْسَ لَهُ الْإِجَارَةُ، وَفِي الْإِعَارَةِ وَجْهَانِ.
وَإِذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ رَجَعَ الْحَقُّ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالْإِقْطَاعِ ; لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ عُرْفًا بِحَيَاةِ الْمُقْطَعِ، وَإِذَا مَاتَ بَطَلَ بَلْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْ الْوَصِيَّةِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَرْجَعُ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ اهـ.
[خَاتِمَةٌ: فِي ضَبْطِ الْمَالِ وَالْمُتَمَوَّلِ]
ِ أَمَّا الْمَالُ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَقَعُ اسْمُ مَالٍ إلَّا عَلَى مَا لَهُ قِيمَةٌ يُبَاعُ بِهَا وَتَلْزَمُ مُتْلِفَهُ، وَإِنْ قُلْت وَمَا لَا يَطْرَحُهُ النَّاسُ، مِثْلُ الْفَلْسِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ انْتَهَى. وَأَمَّا الْمُتَمَوَّلُ: فَذَكَرَ الْإِمَامُ لَهُ فِي بَابَ اللُّقَطَةِ ضَابِطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ كُلَّ مَا يُقَدَّرُ لَهُ أَثَرٌ فِي النَّفْعِ فَهُوَ مُتَمَوَّلٌ، وَكُلَّ مَا لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ فِي الِانْتِفَاعِ فَهُوَ لِقِلَّتِهِ خَارِجٌ عَمَّا يُتَمَوَّلُ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمُتَمَوَّلَ هُوَ الَّذِي تَعْرِضُ لَهُ قِيمَةٌ عِنْدَ غَلَاءِ الْأَسْعَارِ. وَالْخَارِجَ عَنْ الْمُتَمَوَّلِ: هُوَ الَّذِي لَا يَعْرِضُ فِيهِ ذَلِكَ.
[الْقَوْلُ فِي الدَّيْنِ]
ِ اخْتَصَّ بِأَحْكَامِ الْأَوَّلِ: جَوَازُ الرَّهْنِ بِهِ فَلَا يَصِحُّ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ كَالْمَبِيعِ وَالصَّدَاقِ أَوْ بِحُكْمِ الْيَدِ، كَالْمَغْصُوبِ وَالْمُسْتَعَارِ وَالْمَأْخُوذِ عَلَى جِهَةِ السَّوْمِ أَوْ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute