فِي حَقّه نِيَّة الْفَرْضِيَّة وَكَيْف يَنْوِيهَا وَصَلَاته لَا تَقَع فَرْضًا؟
الثَّالِث: مِنْ الْمُشْكِل مَا صَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ فِي الصَّلَاة الْمُعَادَة أَنْ يَنْوِيَ بِهَا الْفَرْضَ مَعَ قَوْلِهِمْ بِأَنَّ الْفَرْضَ أَوْلَى، وَلِذَلِكَ اخْتَارَ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَوْلَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ: إنَّهُ يَنْوِي لِلظُّهْرِ أَوْ الْعَصْر مَثَلًا وَلَا يَتَعَرَّض لِلْفَرْضِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْقَوَاعِد وَالْأَدِلَّة. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: لَعَلَّ مُرَاد الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ يَنْوِي إعَادَة الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة، حَتَّى لَا يَكُون نَفْلًا مُبْتَدَأً.
الرَّابِع: لَا يَكْفِي فِي التَّيَمُّم نِيَّة الْفَرْضِيَّة فِي الْأَصَحّ: فَلَوْ نَوَى فَرْض التَّيَمُّم أَوْ التَّيَمُّم الْمَفْرُوض أَوْ فَرْض الطَّهَارَة لَمْ يَصِحّ، وَفِي وَجْه يَصِحّ كَالْوُضُوءِ، قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَالْفَرْق أَنَّ الْوُضُوء مَقْصُود فِي نَفْسه وَلِهَذَا اُسْتُحِبَّ تَجْدِيدُهُ، بِخِلَافِ التَّيَمُّم.
قُلْت: وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَال: إنَّ التَّمْيِيزَ لَا يَحْصُل بِذَلِكَ ; لِأَنَّ التَّيَمُّم عَنْ الْحَدَث وَالْجَنَابَة فَرْض، وَصُورَته وَاحِدَة، بِخِلَافِ الْوُضُوء وَالْغُسْل، فَإِنَّهُمَا يَتَمَيَّزَانِ بِالصُّورَةِ.
وَإِنَّمَا قُلْت هَذَا لِيَتَخَرَّج عَلَى قَاعِدَة التَّمْيِيز، كَمَا قَالَ الشَّيْخ عَزَّ الدِّينِ: إنَّمَا شُرِعَتْ النِّيَّة فِي التَّيَمُّم، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَلَبِّسًا بِالْعَادَةِ، لِتَمْيِيزِ رُتْبَته، فَإِنَّ التَّيَمُّمَ عَنْ الْحَدَث الْأَصْغَر عَيْنُ التَّيَمُّم عَنْ الْأَكْبَر، وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ.
الْخَامِس: لَا يُشْتَرَط فِي الْفَرَائِض تَعْيِين فَرْض الْعَيْن بِلَا خِلَاف وَكَذَا صَلَاة الْجِنَازَة لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا نِيَّة فَرْض الْكِفَايَة عَلَى الْأَصَحّ، وَالثَّانِي يُشْتَرَط، لِتَتَمَيَّز عَنْ فَرْض الْعَيْن.
[الْأَمْر الرَّابِع: اشْتِرَاط الْأَدَاء وَالْقَضَاء]
اشْتِرَاط الْأَدَاء وَالْقَضَاء. وَفِيهِمَا فِي الصَّلَاة أَوْجُه:
أَحَدُهَا: الِاشْتِرَاط، وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، طَرْدًا لِقَاعِدَةِ الْحِكْمَةِ الَّتِي شُرِعَتْ لَهَا النِّيَّةُ ; لِأَنَّ رُتْبَة إقَامَة الْفَرْض فِي وَقْته تُخَالِف رُتْبَة تَدَارُك الْفَائِت، فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعَرُّض فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لِلتَّمْيِيزِ.
وَالثَّانِي: تُشْتَرَط نِيَّة الْقَضَاء دُون الْأَدَاء ; لِأَنَّ الْأَدَاء يَتَمَيَّز بِالْوَقْتِ، بِخِلَافِ الْقَضَاء.
وَالثَّالِث: إنْ كَانَ عَلَيْهِ فَائِتَة اشْتَرَطَ فِي الْمُؤَدَّاة نِيَّة الْأَدَاء، وَإِلَّا فَلَا، وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ.
وَالرَّابِعُ: وَهُوَ الْأَصَحّ لَا يُشْتَرَطَانِ مُطْلَقًا، لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ عَلَى صِحَّة صَلَاة الْمُجْتَهِد فِي يَوْم الْغَيْم، وَصَوْم الْأَسِير إذَا نَوَى الْأَدَاء، فَبَانَا بَعْد الْوَقْت. وَلِلْأَوَّلَيْنِ أَنْ يُجِيبُوا بِأَنَّهُمَا مَعْذُورَانِ، وَأَمَّا غَيْرُ الصَّلَاةِ فَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ.
وَقَدْ بَسَطَ الْعَلَائِيُّ الْكَلَام فِي ذَلِكَ فِي كِتَابه (فَصْل الْقَضَاء فِي الْأَدَاء وَالْقَضَاء) فَقَالَ: مَا لَا يُوصَف مِنْ الْعِبَادَات بِأَدَاءٍ وَلَا قَضَاء، فَلَا رَيْب فِي أَنَّهُ لَا يَحْتَاج إلَى نِيَّة أَدَاء وَلَا قَضَاء وَيَلْحَق بِذَلِكَ مَاله وَقْت مَحْدُود، وَلَكِنَّهُ لَا يَقْبَل الْقَضَاء كَالْجُمُعَةِ فَلَا يُحْتَاج فِيهَا إلَى نِيَّة الْأَدَاء إذْ لَا يَلْتَبِس بِهَا قَضَاء فَتَحْتَاج إلَى نِيَّة مُمَيِّزَة، وَأَمَّا سَائِر النَّوَافِل الَّتِي تُقْضَى، فَهِيَ كَبَقِيَّةِ الصَّلَوَات فِي جَرَيَان الْخِلَاف. وَأَمَّا الصَّوْم فَاَلَّذِي يَظْهَر تَرْجِيحه أَنَّ نِيَّة الْقَضَاء لَا بُدَّ مِنْهَا. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ