للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فِي فَتَاوِيهِ: يُحْتَمَل أَنْ يُقَالَ: عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِهَا، كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ، وَيُحْتَمَل أَنْ يُقَالَ: يَجْتَهِدُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّا تَيَقَّنَا هُنَاكَ وُجُوبَ الْكُلِّ، فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِيَقِينٍ وَهُنَا لَمْ يَجِب إلَّا شَيْءٌ وَاحِدٌ وَاشْتَبَهَ، فَيَجْتَهِدُ كَالْقِبْلَةِ وَالْأَوَانِي.

وَلَوْ حَلَفَ وَشَكَّ: هَلْ حَلَفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى، أَوْ الطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَفِي التَّبْصِرَةِ لِلَّخْمِيِّ الْمَالِكِيِّ: أَنَّ كُلّ يَمِينٍ لَمْ يُعْتَدْ الْحَلِفُ بِهَا لَا تَدْخُلُ فِي يَمِينِهِ مَعَ الشَّكِّ. قَالَ: وَقِيَاسُ مَذْهَبِنَا أَنْ يُقَال: إذَا حَنِثَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ.

وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَجِبَ فِي الْحَالِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَغْلِ الذِّمَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجِبَ فِي الْحَالِ، فَإِذَا أَعْتَقَ بَرِئَ ; لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ بِاَللَّهِ أَوْ الظِّهَارِ أَوْ الْعِتْقِ، فَالْعِتْقُ تُجْزِئ فِي كُلِّهَا وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ التَّعْيِين بِخِلَافِ مَا لَوْ أَطْعَمَ أَوْ كَسَا.

قُلْت: الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَرْجَحُ، وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ شَكَّ فِي الْحَدِّ، أَرَجْمٌ أَوْ جَلْدٌ، فَإِنَّهُ لَا يُحِدُّ بَلْ يُعَزِّرُ كَمَا قَرَّرَهُ ابْنُ الْمُسْلِمِ: أَنَّ التَّرَدُّدَ بَيْن جِنْسَيْنِ مِنْ الْعُقُوبَةِ إذَا لَمْ يَكُونَا قَتْلًا، يَقْتَضِي إسْقَاطَهُمَا وَالِانْتِقَالَ إلَى التَّعْزِيرِ، وَسَيَأْتِي فِي أَحْكَامِ الْخُنْثَى.

وَمِنْهَا رَجُلٌ فَاتَتْهُ صَلَاةُ يَوْمَيْنِ فَصَلَّى عَشْرَ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ عَلِمَ تَرْكَ سَجْدَةٍ لَا يَدْرِي مِنْ أَيُّهَا. أَفْتَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ صَلَوَاتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِهِ فِيمَنْ تَرَكَ صَلَوَاتٍ لَا يَدْرِي عَدَدَهَا: أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ إلَى أَنْ يَتَيَقَّنَ إتْيَانَهُ بِالْمَتْرُوكِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي الْمُطَارَحَاتِ: الصَّحِيحُ الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدَةٍ، فَبِإِعَادَتِهَا يَصِيرُ شَاكًّا فِي وُجُوبِ الْبَاقِي فَلَا يَلْزَمُهُ بِالشَّكِّ وُجُوبُ إعَادَةِ الْبَاقِي، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْقَفَّالِ فِي تِلْكَ: يَكْتَفِي بِقَضَاءِ مَا يَشُكُّ بَعْدَهُ: فِي أَنَّهُ هَلْ بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ؟

[قَاعِدَة: الْأَصْلُ الْعَدَمُ]

فِيهَا فُرُوعٌ: مِنْهَا: الْقَوْلُ قَوْلُ نَافِي الْوَطْءِ غَالِبًا ; لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ. وَمِنْهَا: الْقَوْلُ قَوْلُ عَامِلِ الْقِرَاضِ فِي قَوْلِهِ: لَمْ أَرْبَحْ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرِّبْح، أَوْ لَمْ أَرْبَحْ إلَّا كَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزَّائِدِ، وَفِي قَوْلِهِ: لِمَ تَنْهَنِي عَنْ شِرَاءِ كَذَا ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّهْيِ ; وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا يَزْعُمُهُ الْمَالِكُ لَكَانَ خَائِنًا، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْخِيَانَةِ، وَفِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ دَفْعِ الزِّيَادَةِ، وَفِي قَوْلِهِ بَعْدَ التَّلَفِ: أَخَذْت الْمَالَ قِرَاضًا، وَقَالَ الْمَالِكُ قَرْضًا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِمَا، لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى جَوَازِ التَّصَرُّفِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الضَّمَانِ.

وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ: قِرَاضًا وَقَالَ الْآخَر قَرْضًا، وَذَلِكَ عِنْدَ بَقَاءِ الْمَالِ وَرِبْحِهِ، فَلَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْقَرْضِ أَيْضًا لِأُمُورٍ: مِنْهَا أَنَّهُ أَغْلَظَ عَلَيْهِ

<<  <   >  >>