لِأَنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ يُتْلِف الْمَالَ أَوْ يَخْسَرَ، وَمِنْهَا أَنَّ الْيَدَ لَهُ فِي الْمَالِ وَالرِّبْحِ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى جَعْلِ الرِّبْحِ لَهُ، بِقَوْلِهِ: اشْتَرَيْت هَذَا لِي، فَإِنَّهُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمَالَ قِرَاضٌ، فَدَعْوَاهُ أَنَّ الْمَالَ قَرْضٌ يَسْتَلْزِم دَعْوَاهُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لَهُ، فَيَكُونُ رِبْحُهُ لَهُ. وَمِنْهَا: لَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ، فَادَّعَى الْأَدَاءَ وَالْإِبْرَاءَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ غَرِيمِهِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ.
وَمِنْهَا: لَوْ اخْتَلَفَا فِي قِدَمِ الْعَيْبِ، فَأَنْكَرَهُ الْبَائِعُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَاخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِهِ فَقِيلَ: لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ فِي يَد الْبَائِعِ وَقِيلَ: لِأَنَّ الْأَصْلَ لُزُومُ الْعَقْدِ، وَبِهَذَا التَّعْلِيلِ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ قِدَمَهُ وَالْمُشْتَرِي حُدُوثَهُ وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ: بِأَنْ يَبِيعَهُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ، فَيَدَّعِي الْمُشْتَرِي الْحُدُوثَ قَبْلَ الْقَبْضِ حَتَّى يُرَدَّ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنْهُ، فَإِنْ عَلَّلْنَا بِكَوْنِ الْأَصْل عَدَمه فِي يَد الْبَائِع، صَدَّقْنَا الْمُشْتَرِي ; لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى يَقْتَضِي الرَّدّ هُنَا، وَإِنْ عَلَّلْنَا بِكَوْنِ الْأَصْلِ اللُّزُومَ صَدَّقْنَا الْبَائِعَ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَمُقْتَضَى، ذَلِكَ تَصْحِيحُ تَصْدِيقِ الْبَائِعِ وَمِنْهَا: اخْتَلَفَ الْجَانِي وَالْوَلِيّ فِي مُضِيِّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ الِانْدِمَالُ، فَالْمُصَدَّقُ الْجَانِي ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُضِيِّ.
وَمِنْهَا: أَكَلَ طَعَامَ غَيْرِهِ، وَقَالَ: كُنْتَ أَبَحْتَهُ لِي، وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ، صُدِّقَ الْمَالِكُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِبَاحَةِ.
وَمِنْهَا: سُئِلَ النَّوَوِيُّ عَنْ مُسْلِمٍ لَهُ ابْنٌ مَاتَتْ أُمُّهُ، فَاسْتَرْضَعَ لَهُ يَهُودِيَّةً لَهَا وَلَدٌ يَهُودِيٌّ ثُمَّ غَابَ الْأَبُ مُدَّةً وَحَضَرَ، وَقَدْ مَاتَتْ الْيَهُودِيَّةُ فَلَمْ يَعْرِفْ ابْنَهُ مِنْ ابْنِهَا وَلَيْسَ لِلْيَهُودِيَّةِ مَنْ يَعْرِفُ وَلَدَهَا، وَلَا قَافَةَ هُنَاكَ.
فَأَجَابَ: يَبْقَى الْوَلَدَانِ مَوْقُوفَيْنِ حَتَّى يُبَيَّنَ الْحَالُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ قَافَةٍ أَوْ يَبْلُغَا فَيَنْتَسِبَانِ انْتِسَابًا مُخْتَلِفًا وَفِي الْحَالِ يُوضَعَانِ فِي يَدِ الْمُسْلِمِ، فَإِنْ بَلَغَا وَلَمْ تُوجَدْ بَيِّنَةٌ وَلَا قَافَةٌ وَلَا انْتَسَبَا، دَامَ الْوَقْف فِيمَا يَرْجِع إلَى النَّسَبِ.
وَيُتَلَطَّف بِهِمَا إلَى أَنْ يُسْلِمَا جَمِيعًا، فَإِنْ أَصَرَّا عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْإِسْلَامِ لَمْ يُكْرَهَا عَلَيْهِ وَلَا يُطَالَبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالصَّلَاةِ وَلَا غَيْرِهَا مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إلْزَامِهِمَا بِهِ، وَشَكَكْنَا فِي الْوُجُوبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ، وَهُمَا كَرَجُلَيْنِ سُمِعَ مِنْ أَحَدِهِمَا صَوْتُ حَدَثٍ وَتَنَاكَرَاهُ لَا يَلْزَم وَاحِدًا مِنْهُمَا الْوُضُوءُ، بَلْ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ صَلَاتِهِمَا فِي الظَّاهِرِ.
وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا بَاطِلَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَكَمَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ: إنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَقَالَ آخَرُ: إنْ لَمْ يَكُنْ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، فَطَارَ وَلَمْ يُعْرَفْ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الظَّاهِرِ الِاسْتِمْتَاعُ بِزَوْجَتِهِ لِلْبَقَاءِ عَلَى الْأَصْلِ، وَأَمَّا نَفَقَتُهُمَا وَمُؤْنَتُهُمَا فَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَالٌ كَانَتْ فِيهِ، وَإِلَّا وَجَبَتْ عَلَى أَبِ الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ ابْنٍ بِشَرْطِهِ