للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَأَمَّا قَوْلُهُ: خَالَعْتُك عَلَى هَذَا الثَّوْبِ، فَكَلَامٌ مُسْتَقِلٌّ، فَجُعِلَ قَوْلُهُ بَعْدَهُ " وَهُوَ هَرَوِيٌّ " جُمْلَةً مُسْتَقِلَّةً. فَلَمْ تَتَقَيَّدْ بِهَا الْأُولَى، وَلَوْ قَالَ: لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ، وَأَشَارَ إلَى شَاةٍ حَنِثَ بِأَكْلِ لَحْمِهَا. وَلَا تُخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ ; لِأَنَّ الْعُقُودَ يُرَاعَى فِيهَا شُرُوطٌ وَتَقْيِيدَاتٌ لَا تُعْتَبَرُ مِثْلُهَا فِي الْأَيْمَانِ، فَاعْتُبِرَ هُنَا الْإِشَارَةُ، وَجْهًا وَاحِدًا.

وَلَوْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت هَذِهِ الشَّاةَ، فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَجْعَلْهَا أُضْحِيَّةً، فَاشْتَرَاهَا. فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ ; تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ، فَإِنَّهُ أَوْجَبَ الْمُعَيَّنَةَ قَبْلَ الْمِلْكِ.

وَالثَّانِي: يَجِبُ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْعِبَارَةِ، فَإِنَّهَا عِبَارَةُ نَذْرٍ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت شَاةً فَلِلَّهِ عَلَيَّ جَعْلُهَا أُضْحِيَّةً، فَإِنَّهُ نَذْرٌ مَضْمُونٌ فِي الذِّمَّةِ. فَإِذَا اشْتَرَى شَاةً لَزِمَهُ جَعْلُهَا أُضْحِيَّةً.

[الْقَوْلِ فِي الْمِلْكِ]

ِ وَفِيهِ مَسَائِلُ. الْأُولَى: فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ: هُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يُقَدَّرُ فِي عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ. يَقْتَضِي تَمَكُّنَ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ، مِنْ انْتِفَاعِهِ، وَالْعِوَضِ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ، فَقَوْلُنَا " حُكْمٌ شَرْعِيٌّ " ; لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةِ.

وَقَوْلُنَا " يُقَدَّرُ " ; لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَعَلُّقِ إذْنِ الشَّرْعِ، وَالتَّعَلُّقُ عَدَمِيٌّ، لَيْسَ وَصْفًا حَقِيقِيًّا بَلْ يُقَدَّرُ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ، عِنْدَ تَحَقُّقِ الْأَسْبَابِ الْمُفِيدَةِ لِلْمِلْكِ وَقَوْلُنَا (فِي عَيْنٍ، أَوْ مَنْفَعَةٍ) لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تُمْلَكُ كَالْأَعْيَانِ وَقَوْلُنَا " يَقْتَضِي انْتِفَاعَهُ " يُخْرِجُ تَصَرُّفُ الْقُضَاةِ، وَالْأَوْصِيَاءِ، فَإِنَّهُ فِي أَعْيَانٍ أَوْ مَنَافِعَ لَا يَقْتَضِي انْتِفَاعَهُمْ وَلِأَنَّهُمْ لَا يَتَصَرَّفُونَ لِانْتِفَاعِ أَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِانْتِفَاعِ الْمَالِكِينَ. وَقَوْلُنَا " وَالْعِوَضِ عَنْهُ " يُخْرِجُ الْإِبَاحَاتِ فِي الضِّيَافَاتِ، فَإِنَّ الضِّيَافَةَ مَأْذُونٌ فِيهَا، وَلَا تُمْلَكُ. وَيُخْرِجُ أَيْضًا: الِاخْتِصَاصَ بِالْمَسَاجِدِ، وَالرُّبُطِ ; وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ ; إذْ لَا مِلْكَ فِيهَا مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ التَّصَرُّفِ.

وَقَوْلُنَا " مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ " إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ قَدْ يَتَخَلَّفُ لِمَانِعٍ لِعَرَضٍ، كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ، لَهُمْ الْمِلْكُ وَلَيْسَ لَهُمْ التَّمَكُّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ، لِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ.

<<  <   >  >>