للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِثَمَرِهَا، وَإِنْ كَانَ مَجَازًا دُون وَرَقِهَا وَأَغْصَانِهَا وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً.

(تَنْبِيهٌ)

قَدْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْأَصْل مَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي، فَالْأَصَحُّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالتَّحَرُّمِ وَفِي وَجْهٍ: لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْفَرَاغِ ; لِأَنَّهَا قَدْ تَفْسُدُ قَبْلَ تَمَامِهَا، فَلَا يَكُونُ مُصَلِّيًا حَقِيقَةً وَهَذَا هُوَ قِيَاسُ الْقَاعِدَةِ، وَفِي ثَالِثٍ: لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَرْكَع ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُون أَتَى بِالْمُعْظَمِ، فَيَقُومُ مَقَامَ الْجَمِيعِ وَالرَّافِعِيُّ حَكَى الْأَوْجُهَ فِي الشَّرْحِ، وَلَمْ يُصَحِّحْ شَيْئًا.

[ذِكْرُ تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ]

قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: ذَكَر جَمَاعَةٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْخُرَاسَانِيِّينَ: أَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ تَعَارَضَ فِيهَا أَصْلٌ وَظَاهِرٌ أَوْ أَصْلَانِ فَفِيهَا قَوْلَانِ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّ لَنَا مَسَائِلُ يُعْمَل فِيهَا بِالظَّاهِرِ بِلَا خِلَافٍ، كَشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ، فَإِنَّهَا تُفِيدُ الظَّنَّ، وَيُعْمَل بِهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى أَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، وَمَسْأَلَةُ بَوْلِ الظَّبْيَة وَأَشْبَاهِهَا، وَمَسَائِلُ يُعْمَلُ فِيهَا بِالْأَصْلِ بِلَا خِلَافٍ.

كَمَنْ ظَنَّ حَدَثًا، أَوْ طَلَاقًا، أَوْ عِتْقًا، أَوْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَإِنَّهُ يُعْمَلُ فِيهَا بِالْأَصْلِ بِلَا خِلَافٍ، قَالَ: وَالصَّوَابُ فِي الضَّابِطِ مَا حَرَّرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فَقَالَ: إذَا تَعَارَضَ أَصْلَانِ أَوْ أَصْلُ وَظَاهِرٌ، وَجَبَ النَّظَرُ فِي التَّرْجِيح، كَمَا فِي تَعَارُضِ الدَّلِيلَيْنِ، فَإِنْ تَرَدَّدَ فِي الرَّاجِحِ فَهِيَ مَسَائِلُ الْقَوْلَيْنِ، وَإِنْ تَرَجَّحَ دَلِيلُ الظَّاهِرِ حُكِمَ بِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ تَرَجَّحَ دَلِيلٌ أَصْلِيٌّ حُكِمَ بِهِ بِلَا خِلَافٍ انْتَهَى.

فَالْأَقْسَامُ حِينَئِذٍ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ: مَا يُرَجَّحُ فِيهِ الْأَصْلُ جَزْمًا، وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفُرُوعِ وَضَابِطُهُ أَنْ يُعَارِضَهُ احْتِمَالٌ مُجَرَّدٌ.

الثَّانِي: مَا تَرَجَّحَ فِيهِ الظَّاهِرُ جَزْمًا وَضَابِطُهُ: أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى سَبَبٍ مَنْصُوبٍ شَرْعًا، كَالشَّهَادَةِ تُعَارِضُ الْأَصْلَ، وَالرِّوَايَةِ، وَالْيَدِ فِي الدَّعْوَى، وَإِخْبَارِ الثِّقَةِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ أَوْ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ، وَإِخْبَارِهَا بِالْحَيْضِ، وَانْقِضَاءِ الْأَقْرَاءِ، أَوْ مَعْرُوفٍ عَادَةً، كَأَرْضٍ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ الظَّاهِرُ أَنَّهَا تَغْرَقُ وَتَنْهَارُ فِي الْمَاءِ، فَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا، وَجَوَّزَ الرَّافِعِيُّ تَخْرِيجَهُ عَلَى تَقَابُلِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ.

وَمَثَّلَ الزَّرْكَشِيُّ لِذَلِكَ بِاسْتِعْمَالِ السِّرْجِينِ فِي أَوَانِي الْفَخَّارِ، فَيُحْكَمُ بِالنَّجَاسَةِ قَطْعًا، وَنَقَلَهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ، وَبِالْمَاءِ الْهَارِبِ مِنْ الْحَمَّامِ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِالْبَوْلِ فِيهِ أَوْ يَكُونُ مَعَهُ مَا يَعْتَضِدُ بِهِ كَمَسْأَلَةِ بَوْل الصَّبِيَّةِ.

وَمِنْهُ: لَوْ أَخَذَ الْمُحْرِم بَيْضَ دَجَاجَةٍ وَأَحْضَنَهَا صَيْدًا فَفَسَدَ بَيْضُهُ، ضَمِنَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْفَسَادَ نَشَأَ مِنْ ضَمِّ بَيْضِ الدَّجَاجِ إلَى بَيْضِهِ، وَلَمْ يَحْكِ الرَّافِعِيُّ فِيهِ خِلَافًا.

<<  <   >  >>