للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فَصْلٌ: اخْتِلَافُ الْأُصُولِيُّونَ فِي تَكْلِيفِ الْمُكْرَهِ]

فَصْلٌ وَأَمَّا الْمُكْرَهُ: فَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْأُصُولِ فِي تَكْلِيفِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَفَصَّلَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَأَتْبَاعُهُ، فَقَالُوا: إنْ انْتَهَى الْإِكْرَاهُ إلَى حَدِّ الْإِلْجَاءِ، لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ إلَى ذَلِكَ، فَهُوَ مُخْتَارٌ. وَتَكْلِيفُهُ جَائِزٌ شَرْعًا وَعَقْلًا. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ: الْإِكْرَاهُ يُسْقِطُ أَثَرَ التَّصَرُّفِ عِنْدَنَا، إلَّا فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ، وَذَكَرَ إسْلَامَ الْحَرْبِيِّ، وَالْقَتْلَ، وَالْإِرْضَاعَ، وَالزِّنَا، وَالطَّلَاقَ، إذَا أُكْرِهَ عَلَى فِعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، وَزَادَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مَوَاضِعَ.

وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ: أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِائَةُ مَسْأَلَةٍ لَا أَثَرَ لِلْإِكْرَاهِ فِيهَا، وَلَمْ يُعَدِّدْهَا، وَطَالَمَا أَمْعَنْت النَّظَرَ فِي تَتَبُّعِهَا، حَتَّى جَمَعْت مِنْهَا جُمْلَةً كَثِيرَةً، وَقَدْ رَأَيْت الْإِكْرَاهَ يُسَاوِي النِّسْيَانَ، فَإِنَّ الْمَوَاضِعَ الْمَذْكُورَةَ: إمَّا مِنْ بَابِ تَرْكِ الْمَأْمُورِ، فَلَا يَسْقُطُ تَدَارُكُهُ وَلَا يَحْصُلُ الثَّوَابُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَإِمَّا مِنْ بَابِ الْإِتْلَافِ، فَلَا يَسْقُطُ الْحُكْمُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ وَتَسْقُطُ الْعُقُوبَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ، إلَّا الْقَتْلَ عَلَى الْأَظْهَرِ.

وَهَا أَنَا أَسْرُدُ مَا يَحْضُرُنِي مِنْ ذَلِكَ:

الْأَوَّلُ: الْإِكْرَاهُ عَنْ الْحَدَثِ، وَهُوَ مِنْ بَابَ الْإِتْلَافِ فَإِنَّهُ الْإِتْلَافُ لِلطَّهَارَةِ، وَلِهَذَا لَوْ أَحْدَثَ نَاسِيًا انْتَقَضَ، وَفِي مَسِّ الْفَرْجِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ: أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ نَاسِيًا.

وَإِذَا نُوِّعَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ إلَى أَسْبَابِ الْحَدَثِ الْأَرْبَعَةِ وَالْجِمَاعِ كَثُرَتْ الصُّوَرُ.

الثَّانِي الْإِكْرَاهُ عَلَى إفْسَادِ الْمَاءِ بِالِاسْتِعْمَالِ أَوْ النَّجَاسَةِ أَوْ مُغَيِّرٍ طَاهِرٍ، فَإِنَّهُ يَفْسُدُ وَهُوَ أَيْضًا مِنْ بَابِ الْإِتْلَافِ، إذْ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَغَيْرِهِ.

الثَّالِث: قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَوْ أُلْقِيَ إنْسَانٌ فِي نَهْرٍ مُكْرَهًا، فَنَوَى فِيهِ رَفْعَ الْحَدَثِ. صَحَّ وُضُوءُهُ.

وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ صِحَّةَ وُضُوئِهِ ; وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَفْصِيلٍ.

فَإِنْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ، وَهُوَ يُرِيدُ الْمُقَامَ فِيهِ، وَلَوْ لَحْظَةً. صَحَّ ; لِأَنَّهُ فِعْلٌ يُتَصَوَّرُ قَصْدُهُ.

وَإِنْ كُرِهَ الْمُقَامُ، وَتَحَقَّقَ الِاضْطِرَارُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ. إذْ لَا تَتَحَقَّقُ النِّيَّةُ بِهِ.

الرَّابِعُ، وَالْخَامِسُ: الْإِكْرَاهُ عَلَى غَسْلِ النَّجَاسَةِ، وَدَبْغِ الْجِلْدِ.

السَّادِسُ: الْإِكْرَاهُ عَلَى التَّحَوُّلِ عَنْ الْقِبْلَةِ فِي الصَّلَاةِ، فَتَبْطُلُ.

السَّابِعُ: الْإِكْرَاهُ عَلَى الْكَلَامِ فِيهَا: فَتَبْطُلُ فِي الْأَظْهَرِ، لِنُدُورِهِ.

<<  <   >  >>