لِأَنَّ مُجَرَّدَ الِاجْتِنَابِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ مَلَكَةٌ، وَقُوَّةٌ تُرْدِعُهُ عَنْ الْوُقُوعِ فِيمَا يَهْوَاهُ غَيْرُ كَافٍ فِي صِدْقِ الْعَدَالَةِ. وَلِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْكَبَائِرِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ يُوهِمُ أَنَّ ارْتِكَابَ الْكَبِيرَةِ الْوَاحِدَة لَا يَضُرُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلِأَنَّ الْإِصْرَارَ عَلَى الصَّغَائِرِ مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ، فَذِكْرُهُ فِي الْحَدِّ تَكْرَارٌ ; وَلِأَنَّ صَغَائِرَ الْخِسَّةِ وَرَذَائِلَ الْمُبَاحَاتِ خَارِجٌ عَنْهُ مَعَ اعْتِبَارِهِ.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَهَلِ الْإِصْرَارُ السَّالِبُ لِلْعَدَالَةِ، الْمُدَاوَمَةُ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الصَّغَائِرِ، أَمْ الْإِكْثَارُ مِنْ الصَّغَائِرِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ يُوَافِقُ الثَّانِي قَوْلُ الْجُمْهُورِ: مَنْ غَلَبَتْ طَاعَاتُهُ مَعَاصِيهِ كَانَ عَدْلًا، وَعَكْسُهُ فَاسِقٌ، وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ يُوَافِقُهُ، فَعَلَى هَذَا لَا تَضُرُّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الصَّغَائِرِ إذَا غُلِّبَتْ الطَّاعَةُ.
وَعَلَى الْأَوَّلِ: تَضُرُّ وَاعْتَرَضَهُ فِي الْمَطْلَبِ: بِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ مُدَاوَمَةَ النَّوْعِ الْوَاحِدِ تَضُرُّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ: فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي: فَلِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ حِكَايَتِهِ، قَالَ: إنَّ الْإِكْثَارَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ كَالْإِكْثَارِ مِنْ الْأَنْوَاعِ، وَحِينَئِذٍ: لَا يَحْسُنُ مَعَهُ التَّفْصِيلُ نَعَمْ: يَظْهَرُ أَثَرُهَا فِيمَا لَوْ أَتَى بِأَنْوَاعٍ مِنْ الصَّغَائِرِ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ: لَمْ يَضُرَّ لِمَشَقَّةِ كَفِّ النَّفْسِ عَنْهُ، وَهُوَ مَا حَكَاهُ فِي الْإِبَانَةِ وَإِنَّ قُلْنَا بِالثَّانِي: ضَرٌّ. وَتَبِعَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقَالَ: يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ خَالَفَ الْمَذْكُورَ هُنَا وَجَزَمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ.
وَفِي الرَّضَاعِ: بِأَنَّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى النَّوْعِ الْوَاحِدِ تُصَيِّرُهُ كَبِيرَةً وَأَجَابَ الْبُلْقِينِيُّ: بِأَنَّ الْإِكْثَارَ مِنْ النَّوْعِ الْوَاحِدِ غَيْرُ الْمُدَاوَمَةِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْأَكْثَرِيَّةِ الَّتِي تَغْلِبُ بِهَا مَعَاصِيهِ عَلَى طَاعَتِهِ، وَهَذَا غَيْرُ الْمُدَاوَمَةِ فَالْمُؤَثِّرُ عَلَى الثَّانِي: إنَّمَا هُوَ الْغَلَبَةُ لَا الْمُدَاوَمَةُ.
وَالرُّجُوعُ فِي الْغَلَبَةُ إلَى الْعُرْفِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ مُدَّةُ الْعُمُرِ، فَالْمُسْتَقْبَلُ لَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا مَا ذَهَبَ بِالتَّوْبَةِ وَغَيْرهَا.
[تَمْيِيزُ الْكَبَائِرِ مِنْ الصَّغَائِرِ]
ِ اُضْطُرِبَ فِي حَدِّ الْكَبِيرَةِ، حَتَّى قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَمْ أَقِفْ لَهَا عَلَى ضَابِطٍ، يَعْنِي سَالِمًا مِنْ الِاعْتِرَاضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute