للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اُشْتُرِطَ فِي بَيِّنَةِ النَّصْرَانِيِّ تَفْسِيرُ كَلِمَةِ التَّنَصُّرِ بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ النَّصَارَى كَالتَّثْلِيثِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي بَيِّنَةِ الْمُسْلِم تَبْيِينُ مَا يَقْتَضِي الْإِسْلَامُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَتَوَهَّمُونَ مَا لَيْسَ بِإِسْلَامٍ إسْلَامًا وَمِنْهَا: إذَا ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِمِلْكِهَا، وَأَقَامَ الدَّاخِلُ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ هَلْ تُسْمَعُ مُطْلَقَةً، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِنَادِ الْمِلْكِ إلَى سَبَبٍ؟ الْأَصَحُّ، الْأَوَّلُ وَتُرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِج بِالْيَدِ.

وَمِنْهَا: قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ، شَاعَ فِي لِسَان أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا شَهِدَ بِاسْتِحْقَاقِ زَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو دِرْهَمًا مَثَلًا، هَلْ تُسْمَعُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَالْمَشْهُورُ فِيمَا بَيْنَهُمْ: أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ. قَالَ، وَهَذَا لَمْ أَظْفَرْ بِهِ مَنْقُولًا مُصَرَّحًا بِهِ هَكَذَا، غَيْر أَنَّ الَّذِي تَلَقَّيْتُهُ مِنْ كَلَامِ الْمَرَاوِزَةِ وَفَهِمْتُهُ مِنْ مَدَارِجِ مَبَاحِثِهِمْ أَنَّ الشَّاهِدَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرَتِّبَ الْأَحْكَامَ عَلَى أَسْبَابِهَا، بَلْ وَظِيفَتُهُ أَنْ يَقُولَ مَا يَسْمَعُهُ مِنْهَا مِنْ إقْرَارٍ وَعَقْدِ تَبَايُعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَوْ مَا شَاهَدَهُ مِنْ التَّفْوِيضِ وَالْإِتْلَافِ، فَيَنْقُلْ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي، ثُمَّ وَظِيفَةُ الْحَاكِمِ تَرْتِيبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا.

فَالشَّاهِدُ سَفِيرٌ، وَالْحَاكِمُ مُتَصَرِّفٌ، وَالْأَسْبَابُ الْمُلْزِمَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، فَقَدْ يَظُنُّ الشَّاهِدُ مَا لَيْسَ بِمُلْزِمٍ سَبَبًا لِلْإِلْزَامِ، فَكُلِّفَ نَقْلَ مَا سَمِعَ أَوْ رَأَى، وَالْحَاكِمُ مُجْتَهِدٌ فِي ذَلِكَ انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ: جَمَعَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمَوَاضِعَ الَّتِي لَا يُقْبَلُ فِيهَا الْخَبَرُ إلَّا مُفَصَّلًا فَبَلَغَتْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ: أَنَّ الْمَاءَ نَجِسٌ، وَأَنَّ فُلَانَا سَفِيهٌ، وَأَنَّهُ وَارِثُ فُلَانٍ، وَأَنَّ بَيْن هَذَيْنِ رَضَاعًا وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ وَالزِّنَا وَالْإِقْرَارُ بِهِ وَالرِّدَّةُ وَالْجُرْحُ وَالْإِكْرَاهُ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَزَادَ غَيْرُهُ: أَنَّهُ قَذَفَهُ وَأَنَّ الْمَقْذُوفَ مُحْصَنٌ وَأَنَّهُ شَفِيعٌ، وَأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ ثَلَاثًا. وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ

ضَابِطُ

هَذَا كُلِّهِ: أَنَّ الدَّعْوَى، وَالشَّهَادَةَ، وَالرِّوَايَةَ الْمُتَرَدِّدَةَ بَيْن مَا يُقْبَلُ وَبَيْنَ مَا لَا يُقْبَلُ، لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِمَا ; إذْ لَيْسَ حَمْلُهَا عَلَى مَا يُقْبَل أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى مَا لَا يُقْبَلُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ ثُبُوتِ الْمَشْهُود بِهِ وَالْمُخْبَرِ عَنْهُ، فَلَا يُتْرَكُ الْأَصْلُ إلَّا بِيَقِينٍ، أَوْ ظَنٍّ يَعْتَمِدُ الشَّرْعُ عَلَى مِثْلِهِ.

[الشَّهَادَةِ عَلَى فِعْلِ النَّفْسِ]

ِ فِيهِ فُرُوعٌ: مِنْهَا:

قَوْلُ الْمُرْضِعَةِ: أَشْهَدُ أَنِّي أَرْضَعْتُهُ وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْقَبُولُ.

وَالثَّانِي لَا ; لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ النَّفْسِ، فَلْتَقُلْ إنَّهُ ارْتَضَعَ مِنِّي.

<<  <   >  >>