ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيّ قَالَ فِي قَوَاعِدِهِ: ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ: أَنَّهُ لَوْ قَالَ: إنْ أَخَذْت مِنِّي حَقَّكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَأَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ، حَتَّى أَعْطَى بِنَفْسِهِ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي فِعْلِ الْمُكْرَهِ، وَقَضِيَّتُهُ: تَرْجِيحُ عَدَمِ الْحِنْثِ، وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ ; لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ هَذِهِ عِبَارَتُهُ.
[الْقَوْلُ فِي النَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ]
ِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ النَّائِمِ، حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبُرَ» . هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد بِهَذَا اللَّفْظِ. مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَعُمَرَ بِلَفْظِ: «عَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَعْقِلَ» وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْهُمَا بِلَفْظِ «عَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ» ، وَبِلَفْظِ «عَنْ الصَّبِيِّ، حَتَّى يَحْتَلِمَ» وَبِلَفْظِ «حَتَّى يَبْلُغَ» . وَذَكَرَ أَبُو دَاوُد: أَنَّ ابْنِ جُرَيْجٍ رَوَاهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَادَ فِيهِ «وَالْخَرِفِ» . وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، وَثَوْبَانَ وَالْبَزَّارِ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ.
قُلْت: قَدْ أَلَّفَ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ كِتَابًا، سَمَّاهُ " إبْرَازَ الْحُكْمِ مِنْ حَدِيثِ: رُفِعَ الْقَلَمُ "، ذَكَرَ فِيهِ ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ فَائِدَةً تَتَعَلَّقُ بِهِ.
وَأَنَا أَنْقُلُ مِنْهُ هُنَا فِي مَبْحَثِ الصَّبِيِّ مَا تَرَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَوَّل مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ: أَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي جَمِيع رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ: فِي سُنَنِ أَبُو دَاوُد، وَابْنِ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيِّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ " عَنْ ثَلَاثَةٍ " بِإِثْبَاتِ الْهَاء " وَيَقَع فِي بَعْض كُتُبِ الْفُقَهَاءِ " ثَلَاثٌ " بِغَيْرِ هَاءٍ.
قَالَ: وَلَمْ أَجِدْ لَهَا أَصْلًا. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: " الْعَقْلُ " صِفَةٌ يُمَيَّزُ بِهَا الْحَسَنُ وَالْقَبِيحُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُزِيلُهُ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ وَالنَّوْمُ.
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: الْجُنُونُ يُزِيلُهُ وَالْإِغْمَاءُ يَغْمُرُهُ وَالنَّوْمُ يَسْتُرُهُ.
قَالَ السُّبْكِيُّ: وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ ; لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النَّائِمِ وَذَكَرَ الْخَرِفَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنَى الْمَجْنُونِ ; لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ اخْتِلَاطِ الْعَقْلِ بِالْكِبَرِ، وَلَا يُسَمَّى جُنُونًا ; لِأَنَّ الْجُنُونَ يَعْرِضُ مِنْ أَمْرَاضٍ سَوْدَاوِيَّةِ وَيَقْبَلُ الْعِلَاجَ، وَالْخَرَفُ خِلَافُ ذَلِكَ ;
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute