وَمِنْهَا: قَالَ: إنْ لَمْ تَصُومِي غَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَحَاضَتْ فَوُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمُكْرَهِ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ.
وَمِنْهَا: مَنْ ابْتَلَعَ طَرَفَ خَيْطٍ لَيْلًا، وَبَقِيَ طَرَفُهُ خَارِجًا، ثُمَّ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَإِنْ نَزَعَهُ أَفْطَرَ، وَإِنْ تَرَكَهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ ; لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِنَجَاسَةٍ.
وَقَالَ فِي الْخَادِمِ: فَطَرِيقُهُ أَنْ يُجْبِرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى نَزْعِهِ، وَلَا يُفْطِرُ ; لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ. قَالَ: بَلْ لَوْ قِيلَ: لَا يُفْطِرُ بِالنَّزْعِ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يَبْعُدْ تَنْزِيلًا لِإِيجَابِ الشَّرْعِ مَنْزِلَةَ الْإِكْرَاهِ، كَمَا إذَا حَلَفَ: أَنْ يَطَأهَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، فَوَجَدَهَا حَائِضًا لَا يَحْنَثُ.
وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ يَمِينًا مُغَلَّظَةً، فَوَجَبَ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَقُلْنَا: بِوُجُوبِ التَّغْلِيظِ حَلَفَ، وَحَنِثَ.
وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ مُقَيَّدٌ، فَحَلَفَ بِعِتْقِهِ أَنَّ فِي قَيْدِهِ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ. وَحَلَفَ بِعِتْقِهِ لَا يَحِلُّهُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ، فَشَهِدَ عَنْد الْقَاضِي عَدْلَانِ أَنَّ فِي قَيْدِهِ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ، فَحَكَمَ بِعِتْقِهِ، ثُمَّ حَلَّ الْقَيْدَ، فَوَجَدَهُ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: لَا شَيْءَ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ ; لِأَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ بِحَلِّ الْقَيْدِ، دُونَ الشَّهَادَةِ لِتَحَقُّقِ كَذِبِهِمَا. حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَاخِرِ الْعِتْقِ.
تَنْبِيهٌ:
يَقَعُ فِي الْفَتَاوَى كَثِيرًا أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يُؤَدِّي الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِ فَيُفْتَى فِي خَلَاصِهِ بِأَنْ يُرْفَعَ إلَى الْحَاكِمِ، فَيَحْكُمَ عَلَيْهِ بِالْأَدَاءِ. وَأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، تَنْزِيلًا لِلْحُكْمِ مَنْزِلَةَ الْإِكْرَاهِ.
وَعِنْدِي فِي هَذِهِ وَقْفَةُ: أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّ الشَّيْخَيْنِ: لَمْ يُنَزِّلَا الْحُكْمَ مَنْزِلَة الْإِكْرَاهِ فِي كُلِّ صُورَةٍ، وَلَا قَرَّرَا ذَلِكَ قَاعِدَةٌ عَامَّةٌ، بَلْ ذَكَرَاهَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَذَكَرَا خِلَافَهَا فِي بَعْضِهَا كَمَا تَرَاهُ، فَلَيْسَ إلْحَاقُ هَذِهِ الصُّورَة بِالصُّورَةِ الَّتِي حَكَمَا فِيهَا بِعَدَمِ الْحِنْثِ أَوْلَى مِنْ إلْحَاقِهَا بِاَلَّتِي حَكَمَا فِيهَا بِالْحِنْثِ.
أَمَّا ثَانِيًا: فَلِأَنَّ الْإِكْرَاهَ بِحَقٍّ لَا أَثَرَ لَهُ فِي عَدَمِ النُّفُوذِ، بِدَلِيلِ صِحَّةِ بَيْعِ مَنْ أَكْرَههُ الْحَاكِمُ عَلَى بَيْع مَالِهِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ وَطَلَاقِ الْمَوْلَى إذَا أَكْرَهَهُ الْحَاكِمُ ; لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ فِيهِمَا بِحَقٍّ. فَاَلَّذِي يَنْشَرِحُ لَهُ الصَّدْرُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ: الْقَوْلُ بِالْحِنْثِ، وَلَا أَثَرَ لِلْحُكْمِ فِي مَنْعِهِ، هَذَا إذَا كَانَ مُعْتَرِفًا بِالْحَقِّ، فَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا لَهُ، وَثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ قَوِيَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَدَمُ الْحِنْثِ ; لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ مَظْلُومٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ، فَلَمْ يَكُنِ الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ فِي دَعْوَاهُ. وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ، وَقَوْلِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ: بِعَدَمِ الْحِنْثِ: أَيْ ظَاهِرًا، فَلَوْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ صَادِقَةً فِي الْوَاقِعِ، وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّ عَلَيْهِ مَا شَهِدَتْ بِهِ. وَقَعَ بَاطِنًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute