وَعَدَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حَدِّهَا إلَى حَدِّ السَّالِبِ لِلْعَدَالَةِ فَقَالَ " كُلُّ جَرِيمَةٍ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ، وَرِقَّةِ الدِّيَانَةِ، فَهِيَ مُبْطِلَةٌ لِلْعَدَالَةِ وَكُلُّ جَرِيمَةٍ لَا تُؤْذِنُ بِذَلِكَ، بَلْ تَنْفِي حُسْنَ الظَّنِّ بِصَاحِبِهَا لَا تُحْبِطُ الْعَدَالَةَ قَالَ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا يُمَيَّزُ بِهِ أَحَدُ الضِّدَّيْنِ مِنْ الْآخَرِ.
وَأَمَّا حَصْرُ الْكَبَائِرِ بِالْعَدِّ فَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ فَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ: قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ " الْكَبَائِرُ سَبْعٌ؟ قَالَ: هِيَ إلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ " وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ " هِيَ إلَى السَّبْعِ أَقْرَبُ " وَأَكْثَرُ مَنْ رَأَيْتُهُ عَدَّهَا: الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَأَوْرَدَ مِنْهَا خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ كَبِيرَةً، أَكْثَرُهَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَقَدْ أَوْرَدْتُهَا نَظْمًا فِي ثَمَانِيَةِ أَبْيَاتٍ لَا حَشْوَ فِيهَا فَقُلْت:
كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ ... وَمُطْلَقِ الْمُسْكِرِ ثُمَّ السِّحْرِ
وَالْقَذْفِ وَاللِّوَاطِ ثُمَّ الْفِطْرِ ... وَيَأْسِ رَحْمَةٍ وَأَمْنِ الْمَكْرِ
وَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَالشَّهَادَهْ ... بِالزُّورِ وَالرِّشْوَةِ وَالْقِيَادَهْ
مَنْعُ زَكَاةٍ وَدِيَاثَةٌ فِرَارْ ... خِيَانَةٌ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ ظِهَارْ
نَمِيمَةٌ كَتْمُ شَهَادَةِ يَمِيَنْ ... فَاجِرَةٍ عَلَى نَبِيِّنَا يَمِيَنْ
وَسَبُّ صَحْبِهِ وَضَرْبُ الْمُسْلِمِ ... سِعَايَةٌ عَقٌّ وَقَطْعُ الرَّحِمِ
حِرَابَةٌ تَقْدِيمُهُ الصَّلَاةَ أَوْ ... تَأْخِيرُهَا وَمَالُ أَيْتَامٍ رَأَوْا
وَأَكْلُ خِنْزِيرٍ وَمَيْتٍ وَالرِّبَا ... وَالْغُلِّ أَوْ صَغِيرَةٌ قَدْ وَاظَبَا
قُلْت: زَادَ فِي الرَّوْضَةِ نِسْيَانَ الْقُرْآنِ وَالْوَطْءَ فِي الْحَيْضِ نَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَزَادَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ: إحْرَاقَ الْحَيَوَانِ وَامْتِنَاعَهَا مِنْ زَوْجِهَا بِلَا سَبَبٍ، وَتَرْكَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ.
وَزَادَ الْعَلَائِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ عَدَمَ التَّنَزُّهِ مِنْ الْبَوْلِ، وَالتَّقَرُّبَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَالْإِضْرَارَ فِي الْوَصِيَّةِ وَمَنْعَ ابْنِ السَّبِيلِ فَضْلَ الْمَاءِ لِوُرُودِهَا فِي الْحَدِيثِ وَالشُّرْب فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلتَّوَعُّدِ عَلَيْهِ بِالنَّارِ.
[مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَمَا لَا يُشْتَرَطُ]
ُ: قَالَ الْعَلَائِيُّ: مَدَارُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ " إنَّ الْمَصَالِحَ الْمُعْتَبَرَةَ إمَّا فِي مَحِلِّ الضَّرُورَاتِ أَوْ فِي مَحِلِّ الْحَاجَاتِ أَوْ فِي مَحِلِّ التَّتِمَّاتِ وَإِمَّا مُسْتَغْنًى عَنْهَا