[الْمَبْحَث الرَّابِع: فِي وَقْت النِّيَّة]
فِي وَقْت النِّيَّة.
الْأَصْل أَنَّ وَقْتهَا أَوَّل الْعِبَادَات وَنَحْوهَا. وَخَرَجَ عَنْ ذَلِكَ الصَّوْم، فَجُوِّزَ تَقْدِيم نِيَّته عَلَى أَوَّل الْوَقْت، لِعُسْرِ مُرَاقَبَته ثُمَّ سَرَى ذَلِكَ إلَى أَنْ وَجَبَ. فَلَوْ نَوَى مَعَ الْفَجْر لَمْ يَصِحّ فِي الْأَصَحِّ.
قُلْت: وَعَلَى حَدّه جَوَاز تَأْخِير نِيَّة صَوْم النَّفَل عَنْ أَوَّله. وَبَقِيَ نَظَائِر يَجُوز فِيهَا تَقْدِيم النِّيَّة عَلَى أَوَّل الْعِبَادَة.
مِنْهَا: الزَّكَاة، فَالْأَصَحّ فِيهَا جَوَاز التَّقْدِيم لِلنِّيَّةِ عَلَى الدَّفْع لِلْعُسْرِ، قِيَاسًا عَلَى الصَّوْم، وَفِي وَجْه: لَا يَجُوز، بَلْ يَجِب حَالَة الدَّفْع إلَى الْأَصْنَاف، أَوْ الْإِمَام، كَالصَّلَاةِ.
وَمِنْهَا: الْكَفَّارَة، وَفِيهَا الْوَجْهَانِ فِي الزَّكَاة. وَذُكِرَ فِي الْفَرْق بَيْن الزَّكَاة وَالْكَفَّارَة وَبَيْن الصَّلَاة أَنَّهُمَا يَجُوز تَقْدِيمهمَا عَلَى وُجُوبهمَا فَجَازَ تَقْدِيم نِيَّتهمَا، بِخِلَافِ الصَّلَاة، وَأَنَّهُمَا تَقْبَلَانِ النِّيَابَة، بِخِلَافِهَا.
قُلْت: الْأَوَّل يَنْتَقِض بِالصَّوْمِ، وَالثَّانِي بِالْحَجِّ.
وَمِنْهَا: الْجَمْع، فَإِنْ نِيَّته فِي الصَّلَاة الْأُولَى، وَلَوْ كَانَ فِي أَوَّل الْعِبَادَة لَكَانَ فِي أَوَّل الصَّلَاة الثَّانِيَة ; لِأَنَّهَا الْمَجْمُوعَة. وَإِنْ جُعِلَتْ الْأُولَى أَوَّل الْعِبَادَة فَهُوَ مِمَّا جَازَ فِيهِ التَّأْخِير عَنْ أَوَّلهَا ; لِأَنَّ الْأَظْهَر جَوَاز النِّيَّة فِي أَثْنَائِهَا، وَمَعَ التَّحَلُّل مِنْهَا، وَفِي قَوْل: لَا يَجُوز إلَّا فِي أَوَّل الْأُولَى، وَفِي وَجْه: لَا يَجُوز مَعَ التَّحَلُّل، وَفِي آخَر: يَجُوز بَعْده قَبْل الْإِحْرَام بِالثَّانِيَةِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَهُوَ قَوِيٌّ.
وَمِنْهَا: نِيَّة التَّمَتُّع عَلَى الْوَجْه الْقَائِل بِهِ، وَفِيهِ الْأَوْجُه فِي الْجَمْع، فَالْأَصَحّ أَنَّ وَقْتهَا مَا لَمْ يَفْرَغ مِنْ الْعُمْرَة، وَالثَّانِي: حَالَة الْإِحْرَام بِهَا، وَالثَّالِث: بَعْد التَّحَلُّل مِنْهَا، مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْحَجِّ.
وَمِنْهَا: نِيَّة الْأُضْحِيَّة، يَجُوز تَقْدِيمهَا عَلَى الذَّبْح وَلَا يَجِب اقْتِرَانهَا فِي الْأَصَحّ، وَيَجُوز عِنْد الدَّفْع إلَى الْوَكِيل فِي الْأَصَحّ.
وَمِنْهَا: فِي غَيْر الْعِبَادَات نِيَّة الِاسْتِثْنَاء فِي الْيَمِين، فَإِنَّهَا تَجِب قَبْل فَرَاغ الْيَمِين مَعَ وُجُوبهَا فِي الِاسْتِثْنَاء أَيْضًا.
فَرْعٌ:
مِمَّا جَرَى عَلَى هَذَا الْأَصْل مِنْ اعْتِبَار النِّيَّة أَوَّل الْفِعْل: مَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلهَا عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ، وَأَقَرَّهُ: أَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ زَوْجَته بِالسَّوْطِ عَشْر ضَرَبَات، فَصَاعِدًا مُتَوَالِيَة فَمَاتَتْ ; فَإِنْ قَصَدَ فِي الِابْتِدَاء الْعَدَد الْمُهْلِك وَجَبَ الْقِصَاص، وَإِنْ قَصَدَ تَأْدِيبهَا بِسَوْطَيْنِ أَوْ ثَلَاثَة، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَجَاوَزَ فَلَا ; لِأَنَّهُ اخْتَلَطَ الْعَمْد بِشَبَهِ الْعَمْد.