[الْقَوْلُ فِي الْإِشَارَةِ]
الْإِشَارَةُ مِنْ الْأَخْرَسِ مُعْتَبَرَةٌ، وَقَائِمَةٌ مَقَامَ عِبَارَةِ النَّاطِقِ، فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ، كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ، وَالرَّهْنِ، وَالنِّكَاحِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالظِّهَارِ. وَالْحُلُولِ: كَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَالْإِبْرَاءِ، وَغَيْرِهِمَا، كَالْأَقَارِيرِ ; وَالدَّعَاوَى، وَاللِّعَانِ، وَالْقَذْفِ وَالْإِسْلَامِ.
وَيُسْتَثْنَى صُوَرٌ: الْأُولَى: شَهَادَتُهُ لَا تُقْبَلُ بِالْإِشَارَةِ فِي الْأَصَحِّ.
الثَّانِيَةُ: يَمِينُهُ لَا يَنْعَقِدُ بِهَا، إلَّا اللِّعَانُ.
الثَّالِثَةُ: إذَا خَاطَبَ بِالْإِشَارَةِ فِي الصَّلَاةِ لَا تَبْطُلُ عَلَى الصَّحِيحِ.
الرَّابِعَةُ: حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ، فَأَشَارَ إلَيْهِ، لَا يَحْنَثُ.
الْخَامِسَةُ: لَا يَصِحُّ إسْلَامُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ فِي قَوْلٍ، حَتَّى يُصَلِّيَ بَعْدَهَا وَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ. وَحُمِلَ النَّصُّ الْمَذْكُورُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْإِشَارَةُ مُفْهِمَةً.
وَإِذَا قُلْنَا بِاعْتِبَارِهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ أَرَادَ الْحُكْمَ عَلَى إشَارَتِهِ الْمَفْهُومَةِ، نَوَى أَمْ لَا، وَعَلَيْهِ الْبَغَوِيّ.
وَقَالَ الْإِمَامُ، وَآخَرُونَ: إشَارَتُهُ مُنْقَسِمَةٌ إلَى صَرِيحَةٍ مُغْنِيَةٍ عَنْ النِّيَّةِ، وَهِيَ الَّتِي يَفْهَمُ مِنْهَا الْمَقْصُودَ كُلُّ وَاقِفٍ عَلَيْهَا، وَإِلَى كِنَايَةٍ مُفْتَقِرَةٍ إلَى النِّيَّةِ، وَهِيَ الَّتِي تَخْتَصُّ بِفَهْمِ الْمَقْصُودِ بِهَا الْمَخْصُوصُ بِالْفِطْنَةِ، وَالذَّكَاءِ، كَذَا حَكَاهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَالشَّرْحَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِتَرْجِيحٍ.
وَجَزَمَ بِمَقَالَةِ الْإِمَامِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمِنْهَاجِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ بَالَغَ فِي الْإِشَارَةِ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الطَّلَاقَ، وَأَفْهَمَ هَذِهِ الدَّعْوَى فَهُوَ كَمَا لَوْ فَسَّرَ اللَّفْظَ الشَّائِعَ فِي الطَّلَاقِ بِغَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ فِي اعْتِبَارِهَا: قَدَرَ عَلَى الْكِتَابَةِ أَمْ لَا كَمَا أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ، وَصَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ. وَشَرَطَ الْمُتَوَلِّي عَجْزَهُ عَنْ كِتَابَةٍ مُفْهِمَةٍ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهَا، فَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ ; لِأَنَّهَا أَضْبَطُ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ مَعَ ذَلِكَ: إنِّي قَصَدْت الطَّلَاقَ، وَنَحْوَهُ: وَأَمَّا الْقَادِرُ عَلَى النُّطْقِ، فَإِشَارَتُهُ لَغْوٌ. إلَّا فِي صُوَرٍ: الْأُولَى: إشَارَةُ الشَّيْخِ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ، كَنُطْقِهِ، وَكَذَا الْمُفْتِي.
الثَّانِيَةُ: أَمَانُ الْكُفَّارِ، يَنْعَقِدُ بِالْإِشَارَةِ: تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ. كَأَنْ يُشِيرَ مُسْلِمٌ إلَى كَافِرٍ فَيَنْحَازُ إلَى صَفِّ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَا: أَرَدْنَا بِالْإِشَارَةِ: الْأَمَانَ