وَقَدْ سَأَلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْفَضْل بْنُ حَجَرٍ شَيْخَهُ الْحَافِظَ أَبَا الْفَضْلِ الْعِرَاقِيَّ عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَ: بِأَنَّ الظَّاهِرَ اتِّبَاعُ شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ، فَإِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي الشُّرُوطِ، وَكَذَلِكَ اصْطِلَاحُ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ، وَالشَّامُ يَلْقَوْنَ دُرُوسَ الْحَدِيثِ، كَالشَّيْخِ الْمُدَرِّسِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ. بِخِلَافِ الْمِصْرِيِّينَ فَإِنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنهمْ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ بِالْجَمْعِ بَيْن الْأَمْرَيْنِ بِحَسَبِ مَا يُقْرَأُ فِيهِ مِنْ الْحَدِيثِ.
[فَصْلٌ: فِي تَعَارُضِ الْعُرْفِ مَعَ الشَّرْعِ]
هُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِالشَّرْعِ حُكْمٌ، فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ، فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا ; لَمْ يَحْنَثْ بِالسَّمَكِ، وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ لَحْمًا، أَوْ لَا يَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ أَوْ تَحْتَ سَقْفٍ أَوْ فِي ضَوْءِ سِرَاج، لَمْ يَحْنَثْ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْأَرْض وَإِنْ سَمَّاهَا اللَّهُ بِسَاطًا، وَلَا تَحْت السَّمَاءِ، وَإِنْ سَمَّاهَا اللَّهُ سَقْفًا، وَلَا فِي الشَّمْس، وَإِنْ سَمَّاهَا اللَّهُ سِرَاجًا، أَوْ لَا يَضَعُ رَأْسَهُ عَلَى وَتَدٍ، لَمْ يَحْنَثْ بِوَضْعِهَا عَلَى جَبَلٍ، أَوْ لَا يَأْكُلُ مَيْتَةً أَوْ دَمًا، لَمْ يَحْنَثْ بِالسَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ، فَقُدِّمَ الْعُرْفُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ; لِأَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي الشَّرْعِ تَسْمِيَةً بِلَا تَعَلُّقِ حُكْمٍ وَتَكْلِيفٍ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ فَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي ; لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِذَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ لَا يَصُومُ، لَمْ يَحْنَثْ بِمُطْلَقِ الْإِمْسَاكِ، أَوْ لَا يَنْكِحُ حَنِثَ بِالْعَقْدِ لَا بِالْوَطْءِ.
أَوْ قَالَ: إنْ رَأَيْت الْهِلَالَ فَأَنْتِ طَالِقُ، فَرَآهُ غَيْرُهَا، وَعَلِمَتْ بِهِ، طَلُقَتْ، حَمْلًا لَهُ عَلَى الشَّرْعِ فَإِنَّهَا فِيهِ بِمَعْنَى الْعِلْم لِقَوْلِهِ «إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا» .
وَلَوْ كَانَ اللَّفْظُ يَقْتَضِي الْعُمُومَ، وَالشَّرْعُ يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ، اُعْتُبِرَ خُصُوصُ الشَّرْعِ فِي الْأَصَحِّ.
فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا لَمْ يَحْنَث بِالْمَيْتَةِ، أَوْ لَا يَطَأُ لَمْ يَحْنَثْ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ، أَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ لَمْ تَدْخُلْ وَرَثَتُهُ عَمَلًا بِتَخْصِيصِ الشَّرْعِ إذْ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ أَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً، لَمْ يَحْنَثْ بِالْمُتَغَيِّرِ كَثِيرًا بِزَعْفَرَانٍ وَنَحْوِهِ.
[فَصْلٌ: فِي تَعَارُضِ الْعُرْفِ مَعَ اللُّغَةِ]
حَكَى صَاحِبُ الْكَافِي وَجْهَيْنِ فِي الْمُقَدَّمِ أَحَدُهُمَا - وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ -: الْحَقِيقَةُ اللَّفْظِيَّةُ عَمَلًا بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute