للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلَوْ أُرِيدَ الْقَطْعُ، فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْهَرَوِيِّ أَنَّهُ يَأْخُذ بِالْيَقِينِ وَبِالظَّنِّ الْقَوِيِّ، وَحَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَجَازِ إنَّمَا يَكُونُ لِقَرِينَةٍ، أَمَّا بِغَيْرِ قَرِينَةٍ فَيُحْمَل عَلَى الْحَقِيقَةِ قَطْعًا، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْيَقِينِ انْتَهَى.

[قَاعِدَة: مَنْ شَكَّ هَلْ فَعَلَ شَيْئًا أَوَّلًا؟ فَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ]

قَاعِدَة:

مَنْ شَكَّ هَلْ فَعَلَ شَيْئًا أَوَّلًا؟ فَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ.

وَيَدْخُلُ فِيهَا قَاعِدَةٌ أُخْرَى: مَنْ تَيَقَّنَ الْفِعْلَ وَشَكَّ فِي الْقَلِيلِ أَوْ الْكَثِيرِ حُمِلَ عَلَى الْقَلِيلِ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَشْتَغِلَ الذِّمَّةُ بِالْأَصْلِ فَلَا تَبْرَأُ إلَّا بِيَقِينٍ.

وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى قَاعِدَةٍ ثَالِثَةٍ، ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهِيَ " أَنَّ مَا ثَبَتَ بِيَقِينٍ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِيَقِينٍ ".

فَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ: شَكَّ فِي تَرْكِ مَأْمُورٍ فِي الصَّلَاةِ: سَجَدَ لِلسَّهْوِ أَوْ ارْتِكَابُ فِعْلٍ مَنْهِيٍّ فَلَا يَسْجُد ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فِعْلهمَا.

وَمِنْهَا: سَهَا وَشَكَّ: هَلْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ؟ يَسْجُدُ.

وَمِنْهَا: شَكَّ فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْعِبَادَاتِ فِي تَرْكِ رُكْنٍ، وَجَبَتْ إعَادَتُهُ، فَلَوْ عَلِمَهُ وَشَكَّ فِي عَيْنِهِ أَخَذَ بِالْأَسْوَأِ، فَإِنْ احْتَمَلَ أَنَّهُ النِّيَّةُ وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ، فَلَوْ تَرَكَ سَجْدَةً وَشَكَّ، هَلْ هِيَ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ أَوْ غَيْرِهَا، لَزِمَهُ رَكْعَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ مِنْ غَيْرِهَا، فَتُكَمَّلُ بِرَكْعَةٍ تَلِيهَا وَيَلْغُو بَاقِيهَا.

وَلَوْ شَكَّ فِي مَحِلِّ سَجْدَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ، وَجَبَ رَكْعَتَانِ لِاحْتِمَالِ تَرْكِ سَجْدَةٍ مِنْ الْأُولَى وَسَجْدَةٍ مِنْ الثَّانِيَةِ، فَيُكْمِل الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَة بِالرَّابِعَةِ وَيَلْغُو الْبَاقِي، وَكَذَا لَوْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ تَرْكُ سَجْدَةٍ أُخْرَى، هَكَذَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَأُورِد عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الصَّوَابَ فِي الثَّلَاثِ: لُزُومُ رَكْعَتَيْنِ وَسَجْدَةٍ، لِأَنَّ أَسْوَأَ الْأَحْوَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ السَّجْدَةَ الْأُولَى مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةَ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَوَاحِدَةً مِنْ الرَّابِعَةِ فَيَبْقَى عَلَيْهِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى الْجُلُوسُ بَيْن السَّجْدَتَيْنِ، وَالسَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ فَلَمَّا قَدَّرْنَا أَنَّهُ تَرَكَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، لَمْ يُمْكِن أَنْ يُكَمِّلَ لِسَجْدَتِهَا الْأُولَى الرَّكْعَةَ الْأُولَى لِفِقْدَانِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَبْلَهَا. نَعَم بَعْدَهَا جُلُوسٌ مَحْسُوبٌ، فَيَحْصُلُ لَهُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَكْعَةٌ إلَّا سَجْدَةً فَيُكْمِلهَا بِسَجْدَةٍ مِنْ الثَّالِثَة وَيَلْغُو بَاقِيهَا، ثُمَّ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْ الرَّابِعَةِ فَيَبْقَى عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ وَسَجْدَةٌ.

وَقَدْ اعْتَمَدَ الْأَصْفُونِيُّ هَذَا الْإِيرَادَ فِي مُخْتَصَرِ الرَّوْضَةِ، وَالْإِسْنَوِيُّ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: إنَّهُ عَمَلٌ عَقْلِيٌّ وَاضِحٌ لَا شَكَّ فِيهِ.

وَأَجَابَ عَنْهُ النَّشَائِيُّ: بِأَنَّ هَذَا خِلَافُ التَّصْوِيرِ فَإِنَّهُمْ حَصَرُوا الْمَتْرُوكَ فِي ثَلَاثِ

<<  <   >  >>