أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: خَرَجَ قَوْمٌ يُرِيدُونَ مَكَّةَ، فَأَضَلُّوا الطَّرِيقَ، فَلَمَّا عَايَنُوا الْمَوْتَ، أَوْ كَادُوا أَنْ يَمُوتُوا، لَبِسُوا أَكْفَانَهُمْ، وَتَضَجَّعُوا لِلْمَوْتِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ جِنِّيٌّ يَتَخَلَّلُ الشَّجَرَ. وَقَالَ أَنَا بَقِيَّةُ النَّفَرِ الَّذِينَ اسْتَمَعُوا عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ «الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ وَدَلِيلُهُ لَا يَخْذُلُهُ» هَذَا الْمَاءُ، وَهَذَا الطَّرِيقُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْقُرَشِيُّ أَخْبَرَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ السُّدِّيِّ عَنْ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِشْرٍ قَالَ «خَرَجَ قَوْمٌ حُجَّاجًا فِي إمْرَةِ عُثْمَانَ فَأَصَابَهُمْ عَطَشٌ، فَانْتَهَوْا إلَى مَاءٍ مِلْحٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ تَقَدَّمْتُمْ فَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يُهْلِكَنَا هَذَا الْمَاءُ فَسَارُوا حَتَّى أَمْسَوْا، فَلَمْ يُصِيبُوا مَاءً، فَأَدْلَجُوا إلَى شَجَرَةِ سَمُرٍ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ شَدِيدُ السَّوَادِ جَسِيمٌ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرَّكْبِ، إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُحِبَّ لِلْمُسْلِمِينَ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَيَكْرَهُ لِلْمُسْلِمِينَ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ، فَسِيرُوا حَتَّى تَنْتَهُوا إلَى أَكَمَةٍ، فَخُذُوا عَنْ يَسَارِهَا، فَإِنَّ الْمَاءَ ثَمَّ» .
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْحَكَمِ الرَّقِّيُّ حَدَّثَنَا فَيَّاضُ بْن مُحَمَّدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَيْنَا هُوَ يَسِيرُ عَلَى بَغْلَةٍ إذَا هُوَ بِجَانٍّ مَيِّتٍ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَنَزَلَ فَأَمَرَ بِهِ، فَعَدَلَ عَنْ الطَّرِيق، ثُمَّ حَفَرَ لَهُ، فَدَفْنه وَوَارَاهُ، ثُمَّ مَضَى، فَإِذَا هُوَ بِصَوْتٍ عَالٍ، يَسْمَعُونَهُ، وَلَا يَرَوْنَ أَحَدًا: لِيَهِنك الْبِشَارَة مِنْ اللَّه يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَا وَصَاحِبَيْ هَذَا الَّذِي دَفَنَتْهُ مِنْ الْجِنّ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ {وَإِذْ صَرَفْنَا إلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} [الأحقاف: ٢٩] فَلَمَّا أَسْلَمْنَا «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَاحِبِي هَذَا سَتَمُوتُ فِي أَرْضِ غُرْبَةٍ يَدْفِنُك فِيهِ يَوْمَئِذٍ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ» .
فَالْجَوَابُ عَنْهَا: أَنَّ رُوَاتَهَا مِمَّنْ سَمِعَ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالظَّاهِر أَنَّ لَهُمْ حُكْم الصَّحَابَة فِي عَدَمِ الْبَحْثِ عَنْ عَدَالَتِهِمْ، وَقَدْ ذَكَر حُفَّاظُ الْحَدِيثِ، مِمَّنْ صَنَّفَ فِي الصَّحَابَةِ، مُؤْمِنِي الْجِنِّ فِيهِمْ. قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ الْعِرَاقِيُّ: وَقَدْ اسْتَشْكَلَ ابْنُ الْأَثِيرِ ذِكْرَ مُؤْمِنِي الْجِنِّ فِي الصَّحَابَةِ دُونَ مَنْ رَآهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، وَهُمْ أَوْلَى بِالذِّكْرِ. قَالَ: وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ، لِأَنَّ الْجِنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْمُكَلَّفِينَ الَّذِينَ شَمِلَتْهُمْ الرِّسَالَةُ وَالْبَعْثَةُ فَكَانَ ذِكْرُ مَنْ عُرِفَ اسْمُهُ، مِمَّنْ رَآهُ حَسَنًا، بِخِلَافِ الْمَلَائِكَةِ. انْتَهَى.
الثَّامِن: لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِزَادِ الْجِنِّ. وَهُوَ الْعَظْمُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ.
[فَوَائِدُ]
ُ: الْأُولَى: الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْجِنِّ نَبِيٌّ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute