لَا يَحْتَاج إلَى النِّيَّة، كَسَائِرِ الْأَرْكَان. وَجَزَمَ ابْنُ الرِّفْعَة بِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا، لِأَنَّهُ يَقَع بَعْد التَّحَلُّل التَّامّ.
قَالَ فِي الْخَادِمِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَخَرَّج عَلَى الْخِلَاف فِي أَنَّهُ مِنْ الْمَنَاسِك أَمْ لَا؟
تَنْبِيهٌ:
تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي طَوَافِ النَّذْرِ وَالتَّطَوُّعِ، بِلَا خِلَافٍ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ وَهِيَ الِانْدِرَاج. وَعَلَى هَذَا يُقَال: لَنَا عِبَادَة تَجِب النِّيَّة فِي نَفْلهَا دُون فَرْضهَا، وَهُوَ الطَّوَاف وَلَا نَظِير لِذَلِكَ.
خَاتِمَة:
مِنْ نَظَائِر هَذَا الْأَصْل: أَنَّ نِيَّة التِّجَارَة إذَا اقْتَرَنَتْ بِالشِّرَاءِ صَارَ الْمُشْتَرَى مَال تِجَارَة، وَلَا تَحْتَاج كُلّ مُعَامَلَة إلَى نِيَّة جَدِيدَة ; لِانْسِحَابِ حُكْم النِّيَّة أَوَّلًا عَلَيْهِ.
[الْمَبْحَثُ الْخَامِس: فِي مَحِلّ النِّيَّةِ]
ِ مَحِلّهَا الْقَلْب فِي كُلّ مَوْضِع ; لِأَنَّ حَقِيقَتهَا الْقَصْد مُطْلَقًا، وَقِيلَ: الْمُقَارَن لِلْفِعْلِ، وَذَلِكَ عِبَارَة عَنْ فِعْل الْقَلْب. قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: النِّيَّة عِبَارَة عَنْ انْبِعَاث الْقَلْب نَحْو مَا يَرَاهُ مُوَافِقًا مِنْ جَلْب نَفْع أَوْ دَفْع ضُرّ، حَالًا أَوْ مَآلًا، وَالشَّرْعُ خَصَّصَهُ بِالْإِرَادَةِ الْمُتَوَجِّهَة نَحْو الْفِعْل لِابْتِغَاءِ رِضَا اللَّه تَعَالَى، وَامْتِثَال حُكْمه.
وَالْحَاصِل أَنَّ هُنَا أَصْلَيْنِ: الْأَوَّل: أَنَّهُ لَا يَكْفِي التَّلَفُّظ بِاللِّسَانِ دُونه.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَط مَعَ الْقَلْب التَّلَفُّظ.
أَمَّا الْأَوَّل فَمِنْ فُرُوعه: لَوْ اخْتَلَفَ اللِّسَان وَالْقَلْب، فَالْعِبْرَة بِمَا فِي الْقَلْب، فَلَوْ نَوَى بِقَلْبِهِ الْوُضُوء وَبِلِسَانِهِ التَّبَرُّد، صَحَّ الْوُضُوء، أَوْ عَكْسه فَلَا، وَكَذَا لَوْ نَوَى بِقَلْبِهِ الظُّهْر وَبِلِسَانِهِ الْعَصْر، أَوْ بِقَلْبِهِ الْحَجّ وَبِلِسَانِهِ الْعُمْرَة، أَوْ عَكْسه صَحَّ لَهُ مَا فِي الْقَلْب.
وَمِنْهَا: إنْ سَبَقَ لِسَانه إلَى لَفْظ الْيَمِين بِلَا قَصْد فَلَا تَنْعَقِد، وَلَا يَتَعَلَّق بِهِ كَفَّارَة، أَوْ قَصَدَ الْحَلِف عَلَى شَيْء فَسَبَقَ لِسَانه إلَى غَيْره، هَذَا فِي الْحَلِف بِاَللَّهِ، فَلَوْ جَرَى مِثْل ذَلِكَ فِي الْإِيلَاءِ أَوْ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ، لَمْ يَتَعَلَّقَ بِهِ شَيْءٌ بَاطِنًا، وَيُدَيَّنُ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الظَّاهِرِ لِتَعَلُّقِ حَقّ الْغَيْر بِهِ.
وَذَكَر الْإِمَامُ فِي الْفَرْقِ: أَنَّ الْعَادَة جَرَتْ بِإِجْرَاءِ أَلْفَاظ الْيَمِين بِلَا قَصْد، بِخِلَافِ الطَّلَاق وَالْعَتَاق، فَدَعْوَاهُ فِيهِمَا تُخَالِف الظَّاهِر فَلَا يُقْبَل.
قَالَ: وَكَذَا لَوْ اقْتَرَنَ بِالْيَمِينِ مَا يَدُلّ عَلَى الْقَصْد.
وَفِي الْبَحْرِ: أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى أَنَّ مَنْ صَرَّحَ بِالطَّلَاقِ أَوْ الظِّهَار أَوْ الْعَتَاق، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّة، لَا يَلْزَمهُ فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه تَعَالَى طَلَاق وَلَا ظِهَار وَلَا عِتْق.
وَمِنْهَا: أَنْ يَقْصِد لَفْظ الطَّلَاق وَالْعِتْق دُون مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ، بَلْ يَقْصِد مَعْنًى لَهُ آخَر، أَوْ يَقْصِد ضَمَّ شَيْء إلَيْهِ بِرَفْعِ حُكْمه، وَفِيهِ فُرُوع بَعْضهَا يُقْبَل فِيهِ، وَبَعْضهَا لَا، وَكُلّهَا لَا تَقْتَضِي الْوُقُوع فِي نَفْس الْأَمْر ; لِفَقْدِ الْقَصْد الْقَلْبِيّ.
قَالَ الْفُورَانِيُّ فِي الْإِبَانَةِ: الْأَصْل أَنَّ كُلّ مَنْ أَفْصَحَ بِشَيْءٍ وَقُبِلَ مِنْهُ، فَإِذَا نَوَاهُ قُبِلَ