للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه تَعَالَى دُون الْحُكْم، وَقَالَ نَحْوه الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ، وَالْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرهمْ.

وَهَذِهِ أَمْثِلَته: قَالَ: أَنْتِ طَالِق: ثُمَّ قَالَ: أَرَدْت مِنْ وَثَاق، وَلَا قَرِينَة، لَمْ يُقْبَل فِي الْحُكْم وَيُدَيَّنُ، فَإِنْ كَانَ قَرِينَة، كَأَنْ كَانَتْ مَرْبُوطَة فَحَلَّهَا، وَقَالَ ذَلِكَ، قُبِلَ ظَاهِرًا. مَرَّ بِعَبْدٍ لَهُ عَلَى مَكَّاسٍ، فَطَالَبَهُ بِمَكْسِهِ، فَقَالَ: إنَّهُ حُرّ وَلَيْسَ بِعَبْدِ، وَقَصَدَ التَّخْلِيص لَا الْعِتْق لَمْ يُعْتَق فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه تَعَالَى، كَذَا فِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا.

قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَقِيَاسُ مَسْأَلَةِ الْوَثَاقِ أَنْ يُقْبَلَ ; لِأَنَّ مُطَالَبَةَ الْمَكَّاسِ قَرِينَة ظَاهِرَة فِي إرَادَة صَرْف اللَّفْظ عَنْ ظَاهِره، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ قَرِينَة دَالَّة عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَظِير مَسْأَلَة الْوَثَاق، أَنْ يُقَالُ لَهُ: أَمَتك بَغِيٌّ، فَيَقُول: بَلْ حُرَّة، فَهُوَ قَرِينَة ظَاهِرَة عَلَى إرَادَة الْعِفَّة لَا الْعِتْق. انْتَهَى.

زَاحَمَتْهُ امْرَأَة، فَقَالَ تَأَخَّرِي يَا حُرَّة، وَكَانَتْ أَمَته وَهُوَ لَا يَشْعُر، أُفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهَا لَا تُعْتَق. قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَإِنْ أَرَادَهُ فِي الظَّاهِر فَيُمْكِن أَنْ يُفَرَّق بِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَنْ يُخَاطِب هَاهُنَا، وَعِنْده أَنَّهُ يُخَاطِب غَيْر أَمَته وَهُنَاكَ خَاطَبَ الْعَبْد بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ.

وَفِي الْبَسِيطِ أَنَّ بَعْض الْوُعَّاظ طَلَب مِنْ الْحَاضِرِينَ شَيْئًا، فَلَمْ يُعْطُوهُ، فَقَالَ مُتَضَجِّرًا مِنْهُمْ: طَلَّقْتُكُمْ ثَلَاثًا، وَكَانَتْ زَوْجَته فِيهِمْ، وَهُوَ لَا يَعْلَم. فَأَفْتَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِوُقُوعِ الطَّلَاق، قَالَ الْغَزَالِيُّ وَفِي الْقَلْب مِنْهُ شَيْء.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَك أَنْ تَقُول: يَنْبَغِي أَنْ لَا تَطْلُق ; لِأَنَّ قَوْله " طَلَّقْتُكُمْ " لَفْظ عَامّ، وَهُوَ يَقْبَل الِاسْتِثْنَاء بِالنِّيَّةِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُسَلِّم عَلَى زَيْدٍ، فَسَلَّمَ عَلَى قَوْم هُوَ فِيهِمْ، وَاسْتَثْنَاهُ بِقَلْبِهِ لَمْ يَحْنَث، وَإِذَا لَمْ يَعْلَم أَنَّ زَوْجَته فِي الْقَوْم كَانَ مَقْصُوده غَيْرهَا.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ عَجِيب، أَمَّا الْعَجَب مِنْ الرَّافِعِيِّ فَلِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَة لَيْسَتْ كَمَسْأَلَةِ السَّلَام عَلَى زَيْدٍ ; لِأَنَّهُ هُنَاكَ عَلِمَ بِهِ وَاسْتَثْنَاهُ، وَهُنَا لَمْ يَعْلَم بِهَا وَلَمْ يَسْتَثْنِهَا، وَاللَّفْظُ يَقْتَضِي الْجَمِيعَ، إلَّا مَا أَخْرَجَهُ وَلَمْ يُخْرِجْهَا. وَأَمَّا الْعَجَبُ مِنْ الْإِمَامِ فَلِأَنَّ الشَّرْط قَصْد لَفْظ الطَّلَاق بِمَعْنَى الطَّلَاق، وَلَا يَكْفِي قَصْد لَفْظ مِنْ غَيْر قَصْد مَعْنَاهُ، وَمَعْلُوم أَنَّ الْوَاعِظ لَمْ يَقْصِد مَعْنَى الطَّلَاق، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَطْلُق لِذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ.

وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَنَظِير ذَلِكَ مَا حَكَيْنَاهُ، عَنْ الْغَزَالِيِّ فِي مَسْأَلَة " تَأَخَّرِي يَا حُرَّة " أَنَّهَا لَا تُعْتَق، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ فَتَحَ اللَّه بِتَخْرِيجَيْنِ آخَرَيْنِ، يَقْتَضِيَانِ عَدَم وُقُوع الطَّلَاق: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُخَرَّج ذَلِكَ عَلَى مَنْ حَلَفَ لَا يُسَلِّم عَلَى زَيْدٍ فَسَلَّمَ عَلَى قَوْم هُوَ فِيهِمْ وَهُوَ لَا يَعْلَم أَنَّهُ فِيهِمْ، وَالْمَذْهَب أَنَّهُ لَا يَحْنَث، وَهَذَا غَيْر مَسْأَلَة الرَّافِعِيِّ الَّتِي قَاسَ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ هُنَاكَ عَلِمَ وَاسْتَثْنَى وَهُنَا لَمْ يَعْلَم أَصْلًا.

الثَّانِي: أَنَّ الطَّلَاق لُغَة: الْهَجْر، وَشَرْعًا: حَلّ قَيْد النِّكَاح بِوَجْهٍ مَخْصُوص، وَلَا يُمْكِن حَمْل كَلَام الْوَاعِظ عَلَى الْمُشْتَرَك ; لِأَنَّهُ هُنَا مُتَعَذِّر ; لِأَنَّ شَرْط حَمْل الْمُشْتَرَك عَلَى مَعْنَيَيْهِ أَنْ

<<  <   >  >>