للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ السُّبْكِيُّ فِي فَتَاوِيهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إمَامٌ، فَهَلْ لِغَيْرِ الْأَحْوَجِ أَنْ يَتَقَدَّمَ بِنَفْسِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، إذَا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، مِلْت إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ.

وَاسْتَنْبَطْت ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ «إنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ، وَاَللَّهُ الْمُعْطِي» .

قَالَ: وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ: أَنَّ التَّمْلِيكَ وَالْإِعْطَاءَ إنَّمَا هُوَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا مِنْ الْإِمَامِ، فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُمَلِّكَ أَحَدًا إلَّا مَا مَلَّكَهُ اللَّهُ. وَإِنَّمَا وَظِيفَةُ الْإِمَامِ الْقِسْمَةُ. وَالْقِسْمَةُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ بِالْعَدْلِ.

وَمِنْ الْعَدْلِ: تَقَدُّمُ الْأَحْوَجِ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْن مُتَسَاوِي الْحَاجَاتِ فَإِذَا قَسَمَ بَيْنَهُمَا، وَدَفَعَهُ إلَيْهِمَا عَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ مَلَّكَهُمَا قَبْلَ الدَّفْعِ. وَأَنَّ الْقِسْمَةَ إنَّمَا هِيَ مُعَيِّنَةٌ لِمَا كَانَ مُبْهَمًا، كَمَا هُوَ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إمَامٌ وَبَدَرَ أَحَدُهُمَا وَاسْتَأْثَرَ بِهِ، كَانَ كَمَا لَوْ اسْتَأْثَرَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ بِالْمَاءِ الْمُشْتَرَكِ، لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.

قَالَ: وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ: أَنَّهُ لَوْ وَرَدَ اثْنَانِ عَلَى مَاءٍ مُبَاحٍ وَأَحَدُهُمَا أَحْوَجُ، فَبَدَرَ الْآخَرُ وَأَخَذَ مِنْهُ: أَنَّهُ يَكُونُ مُسِيئًا.

وَمِنْهَا: وَقَعَ بَعْدَ السَّبْعِمِائَةِ بِبِلَادِ الصَّعِيد أَنَّ عَبْدًا انْتَهَى الْمِلْكُ فِيهِ لِبَيْتِ الْمَالِ فَاشْتَرَى نَفْسَهُ مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ، فَأَفْتَى جَلَالُ الدِّينِ الدِّشْنَاوِيُّ بِالصِّحَّةِ " فَرُفِعَتْ الْوَاقِعَةُ إلَى الْقَاضِي شَمْسِ الدِّينِ الْأَصْبَهَانِيِّ فَقَالَ: لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّهُ عَقْدُ عَتَاقَةٍ، وَلَيْسَ لِوَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَ بَيْتِ الْمَالِ.

قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ فِي التَّوْشِيحِ: وَالصَّوَابُ مَا أَفْتَى بِهِ الدِّشْنَاوِيُّ، فَإِنَّ هَذَا الْعِتْقَ إنَّمَا وَقَعَ بِعِوَضٍ، فَلَا تَضْيِيعَ فِيهِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ.

[الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ: الْحُدُودُ تَسْقُط بِالشُّبُهَاتِ]

ِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ ; فِي جُزْءٍ لَهُ مِنْ حَدِيث ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «ادْفَعُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» .

وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ " «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ لِلْمُسْلِمِ مَخْرَجًا، فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الْإِمَامَ لَأَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ» وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مَوْقُوفًا.

وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا «ادْرَءُوا الْحُدُودَ» فَقَطْ.

وَقَالَ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا يَحْيَى الْقَطَّانُ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ

<<  <   >  >>