للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ: فَإِنْ قُلْت: لَوْ قَالَ: لَا رَأَيْت مُنْكَرًا إلَّا رَفَعْتُهُ إلَى الْقَاضِي فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ الْقَاضِي، بَلْ قَاضِي تِلْكَ الْبَلَدِ مَنْ كَانَ حَالَةَ الْيَمِينِ أَوْ بَعْدَهَا.

قُلْت: نَعَمْ. وَكَذَا أَقُولُ: لَا يَتَعَيَّنُ قَاضِي حَالَةَ الْوَقْفِ، بَلْ هُوَ أَوْ مَنْ تَوَلَّى مَكَانَهُ وَالثَّلَاثَةُ لَمْ يُوَلَّوْا مَكَانَهُ.

قَالَ: فَإِنْ قُلْت: لَوْ كَانَ حَالَ الْيَمِينِ فِي الْبَلَدِ قَاضِيَانِ، بَرَّ بِالرَّفْعِ إلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا فَقِيَاسُهُ إذًا شَرْطُ النَّظَرِ لِلْقَاضِي، وَهُنَاكَ قَاضِيَانِ أَنْ يَشْتَرِكَا فِيهِ.

قُلْت: الْمَقْصُودُ فِي الْيَمِينِ: الرَّفْعُ إلَى مَنْ يُغَيِّر الْمُنْكَرَ، وَكِلَاهُمَا يُغَيِّرُ الْمُنْكَرَ فَكُلُّ مِنْهُمَا يَحْصُلُ بِهِ الْغَرَضُ، وَالْمَقْصُودُ بِاشْتِرَاطِ النَّظَر فِعْل مَصْلَحَةِ الْوَقْفِ وَالِاشْتِرَاكِ يُؤَدِّي إلَى الْمَفْسَدَةِ بِاخْتِلَافِ الْآرَاءِ، فَوَجَبَ الصَّرْفُ إلَى وَاحِدٍ وَهُوَ الْكَبِيرُ.

قَالَ: وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَافِ وَقْفُ بَلَدٍ عَلَى الْحَرَمِ وَشَرَطَ النَّظَرَ فِيهِ لِلْقَاضِي وَأَطْلَقَ فَفِيهِ احْتِمَالَاتٌ: -

أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَاضِي الْحَرَم.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَاضِي الْبَلَدِ الْمَوْقُوفَةِ قَالَ: وَهَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ يُشْبِهَانِ الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ كَانَ الْيَتِيمُ فِي بَلَدٍ وَمَالُهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ. وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ: أَنَّ النَّظَرَ لِقَاضِي بَلَدِ الْيَتِيمِ، وَعِنْدَ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ لِقَاضِي بَلَدِ الْمَالِ فَعَلَى مَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: يَكُونُ لِقَاضِي الْحَرَمِ.

وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ لِقَاضِي بَلَدِ السُّلْطَانِ، كَمَا فِي الْيَمِينِ.

فَعَلَى هَذَا: هَلْ يَكُونُ قَاضِي بَلَدِ السُّلْطَانِ الْأَصْلِيَّةِ الَّتِي هِيَ مِصْرُ، أَوْ قَاضِي الْبَلَدِ الَّتِي كَانَ السُّلْطَانُ بِهَا حِين الْوَقْفِ.

قَالَ: وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ أَنْ يَكُونَ النَّظَرُ لِقَاضِي الْبَلَدِ الْمَوْقُوفَةِ ; لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمَصَالِحِهَا، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاقِفَ قَصَدَهُ وَبِهِ تَحْصُلُ الْمَصْلَحَةُ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ السُّلْطَانُ حِينَ الْوَقْفِ فِيهَا.

قُلْت: الظَّاهِرُ احْتِمَالٌ رَابِعٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِقَاضِي الْبَلَدِ الَّتِي جَرَى الْوَقْفُ بِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ السُّبْكِيّ بِبَلَدِ السُّلْطَانِ بِقَرِينَةِ تَشْبِيهِهِ بِمَسْأَلَةِ الْيَتِيمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ: كُلُّ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ مُطْلَقًا بِلَا ضَابِطٍ لَهُ مِنْهُ وَلَا مِنْ اللُّغَةِ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ]

الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ قَالَ الْفُقَهَاءُ: كُلُّ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ مُطْلَقًا، وَلَا ضَابِطَ لَهُ فِيهِ، وَلَا فِي اللُّغَةِ، يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ.

وَمَثَّلُوهُ بِالْحِرْزِ فِي السَّرِقَةِ، وَالتَّفَرُّقِ فِي الْبَيْعِ، وَالْقَبْضِ وَوَقْتِ الْحَيْضِ وَقَدْرِهِ وَالْإِحْيَاءِ وَالِاسْتِيلَاءِ فِي الْغَصْبِ، وَالِاكْتِفَاءِ فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ بِالْمُقَارَنَةِ الْعُرْفِيَّةِ، بِحَيْثُ يُعَدُّ مُسْتَحْضِرًا لِلصَّلَاةِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ.

وَقَالُوا فِي الْأَيْمَانِ: أَنَّهَا تُبْنَى أَوَّلًا عَلَى اللُّغَةِ، ثُمَّ عَلَى الْعُرْفِ.

<<  <   >  >>