وَجْهٍ: أَنَّ الْبَائِعَ يَقْبِضُ مِنْ نَفْسِهِ لِلْمُشْتَرِي، فَيَكُونُ قَابِضًا مُقْبِضًا وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ، وَأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، كَمَا كَانَ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ الْوَجْهُ لَكَانَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ، وَأَحْضَرَهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَامْتَنَعَ مِنْ قَبْضِهِ، يَقْبِضُ مِنْ نَفْسِهِ، وَيَصِيرُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً، وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ، وَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ.
الْعَاشِرَةُ: لَوْ أَعْطَاهُ ثَوْبًا، وَقَالَ: بِعْ هَذَا وَاسْتَوْفِ حَقَّك مِنْ ثَمَنِهِ، فَهُوَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ. لَا يَضْمَنهُ لَوْ تَلِفَ وَهَلْ يَصِحُّ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ نَفْسِهِ فِي وَجْهَانِ. قُلْت وَسُئِلْتُ عَنْ رَجُلٍ أَذِنَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْ تَقْتَرِضَ عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ، تُنْفِقُهَا عَلَى نَفْسِهَا، فَهَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ فَأَجَبْت: نَعَمْ، وَبَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ وَلَا تَحْقِيقَ أَنْكَره لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ: اتِّحَادُ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ.
تَذْنِيبٌ يَقْرُب مِنْ قَاعِدَةِ اتِّحَادِ الْقَابِض وَالْمُقْبِضِ: مَا لَوْ قَطَعَ مَنْ عَلَيْهِ السَّرِقَةُ نَفْسَهُ أَوْ جَلَدَ الزَّانِي نَفْسَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ قَطَعَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ نَفْسُهُ بِإِذْنِ الْمُسْتَحِقِّ، أَوْ وَكَّلَهُ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ، أَوْ جَلْدِهِ فِي الْقَذْفِ. وَالْأَصَحُّ: الْمَنْعُ فِي صُورَتَيْ الْقِصَاصِ، وَجَلْدُ الْقَذْفِ، وَالزِّنَا وَالْإِجْزَاءُ فِي صُورَةِ السَّرِقَةِ لِحُصُولِ الْغَرَضِ، وَهُوَ التَّنْكِيلُ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ الْجَلْدِ ; لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُؤْلِم نَفْسَهُ، وَيُوهِمُ الْإِيلَامَ فَلَا يَتَحَقَّقُ حُصُولُ الْمَقْصُودِ وَبِخِلَافِ صُورَتَيْ الْقِصَاصِ، قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْجَلْدِ، وَعَلَى مَسْأَلَةِ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ مِنْ نَفْسِهِ بِإِذْنِ الْبَائِع، فَإِنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ.
[كُلُّ عَقْدٍ كَانَتْ الْمُدَّةُ رُكْنًا فِيهِ لَا يَكُونُ إلَّا مُؤَقَّتًا]
تَقْسِيمٌ خَامِسٌ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: كُلُّ عَقْدٍ كَانَتْ الْمُدَّةُ رُكْنًا فِيهِ لَا يَكُونُ إلَّا مُؤَقَّتًا كَالْإِجَارَةِ، وَالْمُسَاقَاةِ وَالْهُدْنَةِ، وَكُلُّ عَقْدٍ لَا يَكُون كَذَلِكَ، لَا يَكُونُ إلَّا مُطْلَقَا، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ التَّأْقِيتُ حَيْثُ لَا يُنَافِيه كَالْقِرَاضِ يُذْكَرُ فِيهِ مُدَّةٌ وَيُمْنَعُ مِنْ الشِّرَاءِ بَعْدَهَا فَقَطْ.
وَكَالْإِذْنِ الْمُقَيَّدِ بِالزَّمَانِ، فِي أَبْوَابِهِ وَكَالْوِصَايَةِ. وَمِمَّا لَا يَقْبَلُ التَّأْقِيتَ: الْجِزْيَةُ فِي الْأَصَحِّ. وَمِمَّا يَقْبَلهُ: الْإِيلَاءُ، وَالظِّهَارُ، وَالنَّذْرُ، وَالْيَمِينُ، وَنَحْوُهَا انْتَهَى. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَا لَا يَقْبَلُ التَّوْقِيتَ بِحَالٍ، وَمَتَى أَقَّتَ بَطَلَ الْبَيْعُ بِأَنْوَاعِهِ، وَالنِّكَاحُ، وَالْوَقْفُ قَطْعًا، وَالْجِزْيَةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute