للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ فِي الْحَدِيثِ " حَتَّى يَعْقِلَ " لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنْهُ إلَى الْمَوْتِ.

قَالَ: وَيَظْهَرُ أَنَّ الْخَرَفَ رُتْبَةٌ بَيْنَ الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ، وَهِيَ إلَى الْإِغْمَاءِ أَقْرَبُ انْتَهَى. وَاعْلَمْ: أَنَّ الثَّلَاثَةَ قَدْ يَشْتَرِكُونَ فِي أَحْكَامٍ، وَقَدْ يَنْفَرِدُ النَّائِمُ عَنْ الْمَجْنُونِ. وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ تَارَةً يَلْحَقُ بِالنَّائِمِ، وَتَارَةً يَلْحَقُ بِالْمَجْنُونِ.

وَبَيَانُ ذَلِكَ بِفُرُوعٍ الْأَوَّلُ: الْحَدَثُ يَشْتَرِكُ فِيهِ الثَّلَاثَةُ.

الثَّانِي: اسْتِحْبَابُ الْغُسْلِ عِنْدَ الْإِفَاقَةِ لِلْمَجْنُونِ، وَمِثْلُهُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ.

الثَّالِثُ: قَضَاءُ الصَّلَاةِ إذَا اسْتَغْرَقَ ذَلِكَ الْوَقْتَ، يَجِبُ عَلَى النَّائِمِ، دُونَ الْمَجْنُونِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَالْمَجْنُونِ.

الرَّابِعُ: قَضَاءُ الصَّوْمِ إذَا اسْتَغْرَقَ النَّهَارَ، يَجِبُ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْن الصَّلَاةِ كَثْرَةُ تَكَرُّرِهَا، وَنَظِيرُهُ: وُجُوبُ قَضَاءِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، دُونَ الصَّلَاةِ.

وَأَمَّا النَّائِمُ: إذَا اسْتَغْرَقَ النَّهَارَ وَكَانَ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ صَوْمُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ: أَنَّهُ ثَابِتُ الْعَقْلِ ; لِأَنَّهُ إذَا نُبِّهَ انْتَبَهَ بِخِلَافِهِ، وَفِي النَّوْمِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَضُرُّ كَالْإِغْمَاءِ

وَفِي الْإِغْمَاءِ وَجْهٌ: أَنَّهُ لَا يَضُرُّ كَالنَّوْمِ، وَلَا خِلَافَ فِي الْجُنُونِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُسْتَغْرِقِ مِنْ الثَّلَاثَةِ، فَالنَّوْمُ لَا يَضُرُّ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي الْجُنُونِ قَوْلَانِ: الْجَدِيدُ الْبُطْلَانُ ; لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِلصَّوْمِ، كَالْحَيْضِ وَقَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ.

وَفِي الْإِغْمَاءِ طُرُقٌ:

أَحَدُهَا: لَا يَضُرُّ إنْ أَفَاقَ جُزْءًا مِنْ النَّهَارِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ.

وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِأَنَّهُ إنْ أَفَاقَ فِي أَوَّلِهِ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا.

وَالثَّالِثُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ أَظْهَرُهَا لَا يَضُرُّ إنْ أَفَاقَ لَحْظَةً مَا.

وَالثَّانِي: فِي أَوَّلِهِ خَاصَّةً.

وَالثَّالِثُ: فِي طَرَفَيْهِ.

وَالرَّابِعُ: يَضُرُّ مُطْلَقًا فِيهِ، فَتُشْتَرَطُ الْإِفَاقَةُ جَمِيعَ النَّهَارِ.

وَالْفَرْعُ الْخَامِسُ: الْأَذَانُ لَوْ نَامَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَثْنَاءَهُ، ثُمَّ أَفَاقَ، إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ بَنَى، وَإِنْ طَالَ، وَجَبَ وَالِاسْتِئْنَافُ عَلَى الْمَذْهَبِ.

قَالَ فِي شَرْحَ الْمُهَذَّبِ، قَالَ أَصْحَابُنَا: وَالْجُنُونُ هُنَا كَالْإِغْمَاءِ.

السَّادِسُ: لَوْ لَبِسَ الْخُفَّ، ثُمَّ نَامَ حَتَّى مَضَى يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ.

<<  <   >  >>