الثَّالِثُ: مَا يُرَجَّحُ فِيهِ الْأَصْلُ عَلَى الْأَصَحِّ وَضَابِطُهُ: أَنْ يَسْتَنِدَ الِاحْتِمَالُ إلَى سَبَبٍ ضَعِيفٍ وَأَمْثِلَتُهُ لَا تَكَادُ تُحْصَرُ.
مِنْهَا: الشَّيْءُ الَّذِي لَا يُتَيَقَّنُ نَجَاسَتُهُ، وَلَكِنَّ الْغَالِبَ فِيهِ النَّجَاسَةُ، كَأَوَانِي وَثِيَابِ مُدْمِنِي الْخَمْرِ، وَالْقَصَّابِينَ وَالْكُفَّارِ الْمُتَدَيِّنِينَ بِهَا كَالْمَجُوسِ، وَمَنْ ظَهَرَ اخْتِلَاطُهُ بِالنَّجَاسَةِ وَعَدَمِ احْتِرَازِهِ مِنْهَا، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْإِمَامِ، وَطِينِ الشَّارِعِ وَالْمَقَابِرِ الْمَنْبُوشَةِ حَيْثُ لَا تُتَيَقَّنُ. وَالْمَعْنَى بِهَا كَمَا قَالَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ: الَّتِي جَرَى النَّبْشُ فِي أَطْرَافِهَا وَالْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ انْتِشَارُ النَّجَاسَةِ فِيهَا وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ قَوْلَانِ، أَصَحُّهُمَا الْحُكْمُ بِالطَّهَارَةِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ.
وَمِنْ ذَلِكَ: مَا لَوْ أَدْخَلَ الْكَلْب رَأْسَهُ فِي الْإِنَاءِ، وَأَخْرَجَهُ وَفَمُهُ رَطْبٌ، وَلَمْ يُعْلَم وُلُوغُهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ الْإِنَاءِ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ يَابِسًا، فَطَاهِرٌ قَطْعًا. وَمِنْ ذَلِكَ: لَوْ سَقَطَ فِي بِئْرٍ فَأْرَةٌ، وَأُخِذَ دَلْوٌ قَبْل أَنْ يُنْزَحَ إلَى الْحَدِّ الْمُعْتَبَر، وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ شَعْرٍ، وَلَمْ يُرَ، فَفِيهِ الْقَوْلَانِ. وَالْأَظْهَرُ الطَّهَارَةُ.
وَمِنْهَا: إذَا تَنَحْنَحَ الْإِمَامُ وَظَهَرَ مِنْهُ حَرْفَانِ فَهَلْ يَلْزَمُ الْمَأْمُومَ الْمُفَارَقَةُ أَمْ لَا لِلظَّاهِرِ الْغَالِبِ الْمُقْتَضِي لِبُطْلَانِ الصَّلَاة، أَوَّلًا، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ صَلَاتِهِ، وَلَعَلَّهُ مَعْذُورٌ فِي التَّنَحْنُحِ، فَلَا يُزَالُ الْأَصْل إلَّا بِيَقِينٍ؟ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي.
وَمِنْهَا: لَوْ امْتَشَطَ الْمُحْرِمُ فَانْفَصَلَتْ مِنْ لِحْيَتِهِ شَعَرَاتٌ، فَفِيهِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: لَا فِدْيَةَ ; لِأَنَّ النَّتْفَ لَمْ يَتَحَقَّقْ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ. وَالثَّانِي: يَجِبُ لِأَنَّ الْمَشْطَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ، فَيُضَافُ إلَيْهِ، كَإِضَافَةِ الْإِجْهَاض إلَى الضَّرْبِ. وَمِنْهَا: الدَّمُ الَّذِي تَرَاهُ الْحَامِلُ، هَلْ هُوَ حَيْضٌ؟ قَوْلَانِ، أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ مُتَرَدِّدٌ بَيْن كَوْنِهِ دَم عِلَّةٍ، أَوْ دَمَ جِبِلَّةٍ، وَالْأَصْلُ السَّلَامَةُ. وَالثَّانِي: لَا ; لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْحَامِلِ عَدَمُ الْحَيْضِ.
وَمِنْهَا: لَوْ قَذَفَ مَجْهُولًا وَادَّعَى رِقَّهُ، فَقَوْلَانِ، أَصَحُّهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْقَاذِفِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ وَالثَّانِي: قَوْلُ الْمَقْذُوفِ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْحُرِّيَّةُ، فَإِنَّهَا الْغَالِبُ فِي النَّاسِ.
وَمِنْهَا: لَوْ جَرَتْ خَلْوَةٌ بَيْن الزَّوْجَيْنِ، وَادَّعَتْ الْإِصَابَةَ فَقَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا: تَصْدِيقُ الْمُنْكِرِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عِلْمُهَا.
وَالثَّانِي: تَصْدِيقُ مُدَّعِيهَا ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْخَلْوَةِ الْإِصَابَةُ غَالِبًا.
وَمِنْهَا: لَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ الْوَثَنِيَّانِ قَبْلَ الدُّخُول فَقَالَ الزَّوْجُ: أَسْلَمْنَا مَعًا، فَالنِّكَاحُ بَاقٍ وَأَنْكَرَتْ، فَالْقَوْل قَوْلُهُ فِي الْأَظْهَرِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ، وَالثَّانِي قَوْلُهَا لِأَنَّ التَّسَاوِيَ فِي الْإِسْلَامِ نَادِرٌ فَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute