أَحَدُهَا: أَنْ يُقْصَدَ إبَاحَتُهَا، فَهِيَ مُهْدَرَةٌ لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ سَوَاءٌ عَلِمَ الْقَاطِعُ أَنَّهَا الْيَسَارُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ أَوْ لَا ; لِأَنَّ صَاحِبَهَا بَذَلَهَا مَجَّانًا ; وَلِأَنَّ فِعْلَ الْإِخْرَاجِ اقْتَرَنَ بِقَصْدِ الْإِبَاحَةِ فَقَامَ مَقَامَ النُّطْقِ، كَتَقْدِيمِ الطَّعَامِ إلَى الضَّيْفِ ; وَلِأَنَّ الْفِعْلَ بَعْدَ السُّؤَالِ وَالطَّلَبِ، كَالْإِذْنِ كَمَا لَوْ قَالَ: نَاوِلْنِي يَدَك لِأَقْطَعَهَا، فَأَخْرَجَهَا أَوْ نَاوِلْنِي مَتَاعَك لِأُلْقِيَهُ فِي الْبَحْرِ فَنَاوَلَهُ، فَلَا ضَمَانَ. نَعَمْ، يُعَزَّرُ الْقَاطِعُ إذَا عَلِمَ وَيَبْقَى قِصَاصُ الْيَمِينِ كَمَا كَانَ.
فَإِنْ قَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّهَا تُجْزِئُ أَوْ عَلِمْت أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ وَلَكِنْ جَعَلْتُهَا عِوَضًا عَنْهَا سَقَطَ وَعَدَلَ إلَى دِيَةِ الْيَمِينِ لِرِضَاهُ بِسُقُوطِ قِصَاصِهَا اكْتِفَاءً بِالْيَسَارِ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَقْصِدَ الْمُخْرِجُ إجْزَاءَهَا عَنْ الْيَمِينِ، فَيَسْأَلُ الْمُقْتَصَّ، فَإِنْ قَالَ: ظَنَنْت أَنَّهُ أَبَاحَهَا بِالْإِخْرَاجِ أَوْ أَنَّهَا الْيَمِينُ، أَوْ عَلِمْت أَنَّهَا الْيَسَارُ، وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ وَلَا تُجْعَلُ بَدَلًا، فَلَا قِصَاصِ فِيهَا فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فِي الْأَصَحِّ لِتَسْلِيطِ الْمُخْرِجِ لَهُ عَلَيْهَا، وَلَكِنْ تَجِبُ دِيَتُهَا وَيَبْقَى قِصَاصُ الْيَمِينِ.
وَإِنْ قَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا الْيَسَارُ وَظَنَنْت أَنَّهَا تُجْزِئُ، سَقَطَ قِصَاصُ الْيَمِينِ وَتَجِبُ لِكُلٍّ الدِّيَةُ عَلَى الْآخَرِ.
الْحَالُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقُولَ: دَهَشْت فَأَخْرَجْت الْيَسَارَ، وَظَنِّي أَنِّي أُخْرِجُ الْيَمِينَ فَيُسْأَلُ الْمُقْتَصُّ، فَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهُ أَبَاحَهَا، قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَقِيَاسُ الْمَذْكُورِ فِي الْحَالِ الثَّانِي، أَنْ لَا يَجِبَ الْقِصَاصُ فِي الْيَسَارِ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَصَرَّحَ بِهِ الْكَافِي لِوُجُودِ صُورَةِ الْبَدَلِ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ هُوَ السَّدِيدُ.
قَالَ الْبَغَوِيّ: تَجِبُ كَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا وَقَالَ ظَنَنْتُهُ أَذِنَ لِي فِي الْقَتْلِ ; لِأَنَّ الظُّنُونَ الْبَعِيدَةَ لَا تَدْرَأُ الْقِصَاصَ.
وَإِنْ قَالَ: ظَنَنْتهَا الْيَمِينَ أَوْ عَلِمْت أَنَّهَا الْيَسَارُ وَظَنَنْتهَا تُجْزِئُ، فَلَا قِصَاصَ فِي الْأَصَحِّ أَمَّا فِي الْأُولَى، فَلِأَنَّ الِاشْتِبَاهَ فِيهِمَا قَرِيبٌ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ، فَلِعُذْرِهِ بِالظَّنِّ.
وَإِنْ قَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا الْيَسَارُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الْأَصَحِّ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُخْرِجِ بَذْلٌ وَتَسْلِيطٌ.
وَفِي الصُّوَرِ كُلِّهَا يَبْقَى قِصَاصُ الْيَمِينِ، إلَّا فِي قَوْلِهِ: ظَنَنْت أَنَّ الْيَسَارَ تُجْزِئُ.
وَإِنْ قَالَ: دَهَشْت أَيْضًا، لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَيَجِبُ الْقِصَاصُ ; لِأَنَّ الدَّهْشَةَ لَا تَلِيقُ بِحَالِهِ وَإِنْ قَالَ: قَطَعْتهَا عُدْوَانًا وَجَبَ أَيْضًا.
وَإِنْ قَالَ الْمُخْرِجُ: لَمْ أَسْمَعْ أَخْرِجْ يَمِينَك وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي سَمْعِي يَسَارُك.
أَوْ قَالَ: قَصَدْت فِعْلَ شَيْءٍ يَخْتَصُّ بِي أَوْ كَانَ مَجْنُونًا، فَهُوَ كَالْمَدْهُوشِ.
هَذَا تَحْرِيرُ أَحْكَامِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ