وَلَقَدْ نَوَّعُوا هَذَا الْفِقْهَ فُنُونًا وَأَنْوَاعًا، وَتَطَاوَلُوا فِي اسْتِنْبَاطِهِ يَدًا وَبَاعًا، وَكَانَ مِنْ أَجَلِّ أَنْوَاعِهِ: مَعْرِفَة نَظَائِرِ الْفُرُوعِ وَأَشْبَاهِهَا، وَضَمُّ الْمُفْرَدَاتِ إلَى أَخَوَاتِهَا وَأَشْكَالِهَا.
وَلَعَمْرِي، إنَّ هَذَا الْفَنَّ لَا يُدْرَكُ بِالتَّمَنِّي، وَلَا يُنَالُ بِسَوْفَ وَلَعَلَّ وَلَوْ أَنِّي، وَلَا يَبْلُغهُ إلَّا مَنْ كَشَفَ عَنْ سَاعِدِ الْجِدِّ وَشَمَّرَ، وَاعْتَزَلَ أَهْلَهُ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ، وَخَاضَ الْبِحَارَ وَخَالَطَ الْعَجَاجَ، وَلَازَمَ التَّرْدَادَ إلَى الْأَبْوَابِ فِي اللَّيْلِ الدَّاجِّ، يَدْأَبُ فِي التَّكْرَارِ وَالْمُطَالَعَةِ بُكْرَةً وَأَصِيلَا، وَيُنَصِّبُ نَفْسَهُ لِلتَّأْلِيفِ وَالتَّحْرِيرِ بَيَاتًا وَمَقِيلَا، لَيْسَ لَهُ هِمَّةٌ إلَّا مُعْضِلَةً يَحُلُّهَا، أَوْ مُسْتَصْعَبَةٌ عَزَّتْ عَلَى الْقَاصِرِينَ فَيَرْتَقِي إلَيْهَا وَيَحُلُّهَا، يُرَدُّ عَلَيْهِ وَيَرُدُّ، وَإِذَا عَذَلَهُ جَاهِلٌ لَا يَصُدُّ، قَدْ ضَرَبَ مَعَ الْأَقْدَمِينَ بِسَهْمٍ وَالْغُمْرُ يَضْرِبُ فِي حَدِيدٍ بَارِدٍ، وَحَلَّقَ عَلَى الْفَضَائِلِ وَاقْتَنَصَ الشَّوَارِدَ:
وَلَيْسَ عَلَى اللَّهِ بِمُسْتَنْكَرٍ ... أَنْ يَجْمَعَ الْعَالَمَ فِي وَاحِدٍ
يَقْتَحِمُ الْمَهَامِهَ الْمَهُولَةَ الشَّاقَّةَ، وَيَفْتَحُ الْأَبْوَابَ الْمُرْتَجَةَ، إذَا قَالَ الْغَبِيُّ لَا طَاقَةَ، إنْ بَدَتْ لَهُ شَارِدَةٌ رَدَّهَا إلَى جَوْفِ الْفَرَا، أَوْ شَرَدَتْ عَنْهُ نَادَّةً اقْتَنَصَهَا وَلَوْ أَنَّهَا فِي جَوْفِ السَّمَاءِ. لَهُ نَقْدٌ يُمَيِّزُ بِهِ بَيْن الْهَبَابِ وَالْهَبَاءِ، وَنَظَرٌ يَحْكُمُ إذَا اخْتَلَفَتْ الْآرَاءُ بِفَصْلِ الْقَضَاءِ، وَفِكْر لَا يَأْتِي عَلَيْهِ تَمْوِيهُ الْأَغْبِيَاءِ، وَفَهْمٌ ثَاقِبٌ لَوْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ خَلْفِ جَبَلٍ قَافٍ لَخَرَقَهُ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهَا مِنْ وَرَاء، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ كَسْبِ الْعَبْد، وَإِنَّمَا هُوَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ.
هَذَا، وَطَالَمَا جَمَعْت مِنْ هَذَا النَّوْعِ جُمُوعًا، وَتَتَبَّعْت نَظَائِرَ الْمَسَائِل أُصُولًا وَفُرُوعًا حَتَّى أَوْعَيْتُ مِنْ ذَلِكَ مَجْمُوعًا جَمُوعًا، وَأَبْدَيْت فِيهِ تَأْلِيفًا لَطِيفًا، لَا مَقْطُوعًا فَضْلُهُ وَلَا مَمْنُوعًا. وَرَتَّبْتُهُ عَلَى كُتُبٍ سَبْعَةٍ:
الْكِتَابِ الْأَوَّلِ: فِي شَرْحِ الْقَوَاعِدِ الْخَمْسِ الَّتِي ذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ جَمِيعَ مَسَائِلِ الْفِقْهِ تَرْجِعُ إلَيْهَا.
الْكِتَابِ الثَّانِي: فِي قَوَاعِدَ كُلِّيَّةٍ يَتَخَرَّجُ عَلَيْهَا مَا لَا يَنْحَصِرُ مِنْ الصُّوَرِ الْجُزْئِيَّةِ، وَهِيَ أَرْبَعُونَ قَاعِدَةً:
الْكِتَابِ الثَّالِثِ: فِي الْقَوَاعِدِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، وَلَا يُطْلَقُ التَّرْجِيحُ لِظُهُورِ دَلِيلِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي بَعْضِهَا وَمُقَابِلِهِ فِي بَعْضٍ، وَهِيَ عِشْرُونَ قَاعِدَةً.
الْكِتَابُ الرَّابِعُ: فِي أَحْكَامٍ يَكْثُرُ دَوْرُهَا، وَيَقْبُحُ بِالْفَقِيهِ جَهْلُهَا: كَأَحْكَامِ النَّاسِي، وَالْجَاهِلِ وَالْمُكْرَهِ وَالنَّائِمِ وَالْمَجْنُون وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالسَّكْرَانِ وَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْمُبَعَّضِ، وَالْأُنْثَى، وَالْخُنْثَى، وَالْمُتَحَيِّرَةِ، وَالْأَعْمَى، وَالْكَافِرِ، وَالْجَانِّ، وَالْمَحَارِمِ وَالْوَلَدِ، وَالْوَطْءِ، وَالْعُقُودِ، وَالْفُسُوخِ، وَالصَّرِيحِ، وَالْكِنَايَةِ، وَالتَّعْرِيضِ، وَالْكِتَابَةِ وَالْإِشَارَةِ، وَالْمِلْكِ، وَالدَّيْنِ، وَثَمَنِ الْمِثْلِ، وَأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَمَهْرِ الْمِثْلِ، وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute