وَالْمُشَرِّعُونَ يَعْتَبِرُونَ الْهِلَالِيَّةَ وَتَمَامُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) مُتَأَخِّرٌ عَنْ ذَلِكَ شَهْرًا، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الشَّرِيعَةُ حَكَمَتْ بِتَمَامِهَا، لِكَوْنِهِ أَمْرًا مَضْبُوطًا، أَوْ لِأَنَّ هُنَاكَ دَقَائِقَ اطَّلَعَ الشَّرْعُ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَصِلْ الْحُكَمَاءُ إلَيْهَا اقْتَضَتْ تَمَامَ السَّنَةِ.
قَالَ: وَقَدْ اشْتَمَلَتْ الرِّوَايَاتُ الثَّلَاثُ فِي حَدِيثِ «رُفِعَ الْقَلَمُ» وَهُوَ قَوْلُهُ «حَتَّى يَكْبُرَ» وَ «حَتَّى يَعْقِلَ» وَ «حَتَّى يَحْتَلِمَ» : عَلَى الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهَا تَحْصُلُ عِنْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً.
فَالْكِبَرُ: إشَارَةٌ إلَى قُوَّتِهِ وَشِدَّتِهِ، وَاحْتِمَالِهِ التَّكَالِيفِ الشَّاقَّةِ، وَالْعُقُوبَاتِ عَلَى تَرْكِهَا، وَالْعَقْلُ: الْمُرَادُ بِهِ فِكْرُهُ، فَإِنَّهُ وَإِنْ مَيَّزَ قَبْلَ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ فِكْرُهُ تَامًّا، وَتَمَامُهُ عِنْدَ هَذَا السِّنِّ، وَبِذَلِكَ يَتَأَهَّلُ لِلْمُخَاطَبَةِ، وَفَهْمِ كَلَامِ الشَّارِعِ، وَالْوُقُوفِ مَعَ الْأَوَامِرِ، وَالنَّوَاهِي، وَالِاحْتِلَامُ: إشَارَةٌ إلَى انْفِتَاحِ بَابِ الشَّهْوَةِ الْعَظِيمَةِ، الَّتِي تُوقِعُ فِي الْمُوبِقَاتِ، وَتَجْذِبُهُ إلَى الْهُوِيِّ فِي الدَّرَكَاتِ، وَجَاءَ التَّكْلِيفُ كَالْحَكَمَةِ فِي رَأْسِ الْبَهِيمَةِ يَمْنَعُهَا مِنْ السُّقُوطِ، انْتَهَى كَلَام السُّبْكِيّ، ثُمَّ قَالَ: وَأَنَا أَقُولُ: إنَّ الْبُلُوغَ فِي الْحَقِيقَةِ الْمُقْتَضِي لِلتَّكْلِيفِ: هُوَ بُلُوغُ وَقْتِ النِّكَاحِ لِلْآيَةِ، وَالْمُرَادُ بِبُلُوغِ وَقْتِهِ بِالِاشْتِدَادِ، وَالْقُوَّةِ، وَالتَّوَقَانِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.
فَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ: هُوَ الْبُلُوغُ الْمُشَارُ إلَيْهِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ.
وَضَبَطَهُ الشَّارِعُ بِأَنْوَاعٍ:
أَظْهَرُهَا: الْإِنْزَالُ، وَإِذَا أَنْزَلَ تَحَقَّقْنَا حُصُولَ تِلْكَ الْحَالَةِ: إمَّا قُبَيْلَ الْإِنْزَالِ، وَإِمَّا مُقَارِنَهُ.
الثَّالِثُ: إنْبَاتُ الْعَانَةِ، وَهُوَ يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِالْبُلُوغِ فِي الْكُفَّارِ. وَفِي وَجْهٍ: وَالْمُسْلِمِينَ أَيْضًا.
وَمَبْنَى الْخِلَافِ: عَلَى أَنَّهُ بُلُوغٌ حَقِيقَةً، أَوْ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَفِيهِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الثَّانِي، فَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهِ.
الرَّابِعُ: نَبَاتُ الْإِبْطِ، وَاللِّحْيَةِ، وَالشَّارِبِ، فِيهِ طَرِيقَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهَا قَطْعًا.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا كَالْعَانَةِ، وَأَلْحَقَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ الْإِبْطَ بِهَا، دُونَ اللِّحْيَةِ، وَالشَّارِبِ.
الْخَامِسُ: انْفِرَاقُ الْأَرْنَبَةِ، وَغِلَظ الصَّوْتِ، وَنُهُودِ الثَّدْيِ، وَلَا أَثَرَ لَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَتَخْتَصُّ الْمَرْأَةُ بِالْحَيْضِ وَالْحَبَلِ.