للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَأَخَذَ مِنْ ذَلِكَ بَعْض الْمُحَقَّقِينَ عَدَم حُصُول الْفَضِيلَة بِالْكُلِّيَّةِ، لَا أَصْلًا وَلَا انْعِطَافَا، وَسَيَأْتِي.

وَمِنْ النَّظَائِر الْمُهِمَّة: وَقْت نِيَّة الْإِمَامَة، وَلَمْ يَتَعَرَّض الشَّيْخَانِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَة، وَفِيهَا اخْتِلَاف. قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ: عِنْد حُضُور مَنْ يُرِيد الِاقْتِدَاء بِهِ ; لِأَنَّهُ قَبْل ذَلِكَ لَيْسَ بِإِمَامِ. وَارْتَضَاهُ ابْنُ الْفِرْكَاحِ، فَعَلَى هَذَا: يَأْتِي الِانْعِطَاف وَقَالَ الْجُوَيْنِيُّ: عِنْد التَّحَرُّم. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ: الصَّوَاب، وَمُقْتَضَى كَلَام الْأَصْحَاب.

قُلْت: صَدَقَ وَبَرَّ، فَإِنَّ الْأَصْحَاب صَحَّحُوا اشْتِرَاطهَا فِي الْجُمُعَة، فَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِهَا فِي التَّحَرُّم لَمْ تَنْعَقِد جُمُعَته.

وَمِنْهَا: وَقْت نِيَّة الِاغْتِرَاف، هَلْ هُوَ عِنْد وَضْع يَده فِي الْمَاء، أَوْ عِنْد انْفِصَاله؟ قَالَ فِي الْخَادِمِ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَرَّج عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمَحْكِيَّيْنِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ: أَنَّ الْمَاء هَلْ يُحْكَمُ بِاسْتِعْمَالِهِ إذَا لَمْ يَنْوِهَا مِنْ إدْخَال الْيَد، أَوْ مِنْ انْفِصَالهَا عَنْ الْمَاء؟ قَالَ: وَالْأَشْبَه الثَّانِي.

التَّنْبِيه الثَّالِث: الْعِبَادَات ذَات الْأَفْعَال يُكْتَفَى بِالنِّيَّةِ فِي أَوَّلهَا، وَلَا يُحْتَاج إلَيْهَا فِي كُلّ فِعْل، اكْتِفَاءً بِانْسِحَابِهَا عَلَيْهَا كَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاة، وَكَذَا الْحَجّ، فَلَا يُحْتَاج إلَى إفْرَاد الطَّوَافِ وَالسَّعْي وَالْوُقُوفِ بِنِيَّةٍ عَلَى الْأَصَحِّ.

ثُمَّ مِنْهَا مَا يُمْنَع فِيهِ ذَلِكَ، وَمِنْهَا مَا لَا يُمْنَع، وَمِنْهَا مَا يُشْتَرَط أَنْ لَا يُقْصَد غَيْره، وَمِنْهَا مَا لَا يُشْتَرَط.

مِنْ الْأَوَّل الصَّلَاة، فَلَا يَجُوز تَفْرِيق النِّيَّة عَلَى أَرْكَانهَا.

وَمِنْ الثَّانِي: الْحَجّ فَيَجُوز نِيَّة الطَّوَاف وَالسَّعْيِ وَالْوُقُوف، بَلْ هُوَ الْأَكْمَلُ، وَفِي الْوُضُوء وَجْهَانِ:

أَحَدهمَا: لَا يَجُوز كَالصَّلَاةِ، وَالْأَصَحّ الْجَوَاز. وَالْفَرْق أَنَّ الْوُضُوء يَجُوز تَفْرِيق أَفْعَاله، فَجَازَ تَفْرِيق نِيَّته بِخِلَافِ الصَّلَاة.

وَلِتَفْرِيقِ النِّيَّة فِيهِ صُوَر: الْأَوْلَى أَنْ يَنْوِي عِنْد كُلّ عُضْو رَفْع حَدَثه.

الثَّانِيَة: أَنْ يَنْوِي رَفْع حَدَث الْمَغْسُول دُون غَيْره.

الثَّالِثَة: أَنْ يَنْوِي رَفْع الْحَدَث عِنْد كُلّ عُضْو وَيُطْلِق، صَرَّحَ بِهَا ابْنُ الصَّلَاحِ.

وَمِنْ الثَّالِث: الْوُضُوء وَالصَّلَاة وَالطَّوَاف وَالسَّعْيُ، فَلَوْ عَزَبَتْ نِيَّته ثُمَّ نَوَى التَّبَرُّد لَمْ يُحْسَب الْمَفْعُول حَتَّى يُجَدِّد النِّيَّة، أَوْ هَوَى لِسُجُودِ تِلَاوَة فَجَعَلَهُ رُكُوعًا، أَوْ رَكَعَ فَفَزِعَ مِنْ شَيْءٍ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، أَوْ سَجَدَ فَشَاكَتْهُ شَوْكَة فَرَفَعَ رَأْسَهُ، لَمْ يُجْزِهِ فَعَلَيْهِ الْعَوْد وَاسْتِئْنَاف الرُّكُوع وَالرَّفْع، وَلَوْ طَافَ لِلْحَجِّ بِلَا نِيَّة وَقَصَدَ مُلَازَمَة غَرِيمه لَمْ يُحْسَب عَنْ الطَّوَاف.

وَمِنْ ذَلِكَ: مَسْأَلَة الْحَامِل فَإِذَا حَمَلَ مُحْرِمٌ عَلَيْهِ طَوَاف مُحْرِمًا وَطَافَ بِهِ وَقَصَدَ الْحَامِل الطَّوَاف عَنْ الْمَحْمُول فَقَطْ دُون نَفْسه، وَقَعَ لِلْمَحْمُولِ فَقَطْ عَلَى الْأَصَحّ ; لِأَنَّهُ

<<  <   >  >>