للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْفَرْعُ الثَّانِي

: لَوْ وَطِئَ الْجِنِّيُّ الْإِنْسِيَّةَ، فَهَلْ يَجِب عَلَيْهَا الْغُسْلُ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ أَصْحَابُنَا. وَعَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا، لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْإِيلَاجِ، وَالْإِنْزَالِ، فَهُوَ كَالْمَنَامِ بِغَيْرِ إنْزَالٍ. قُلْت: وَهُوَ الْجَارِي عَلَى قَوَاعِدِنَا.

الثَّالِث: هَلْ تَنْعَقِدُ الْجَمَاعَةُ بِالْجِنِّ قَالَ صَاحِبُ آكَامَ الْمَرْجَانِ: نَعَمْ. وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الصَّيْرَفِيِّ الْحَنْبَلِيِّ. وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قِصَّةِ الْجِنِّ. وَفِيهِ «فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي أَدْرَكَهُ شَخْصَانِ مِنْهُمْ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نُحِبُّ أَنْ تَؤُمَّنَا فِي صَلَاتِنَا. قَالَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، ثُمَّ صَلَّى بِنَا، ثُمَّ انْصَرَفَ» .

وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ إسْمَاعِيلَ الْبَجَلِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. قَالَ «قَالَتْ الْجِنُّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ لَنَا بِمَسْجِدِكَ أَنْ نَشْهَدَ الصَّلَاةَ مَعَك، وَنَحْنُ نَاءُونَ عَنْكَ؟ فَنَزَلَتْ {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: ١٨] » . قُلْت: وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا فِي الْحَلَبِيَّاتِ لِلسُّبْكِيِّ: أَنَّ الْجَمَاعَةَ تَحْصُلُ بِالْمَلَائِكَةِ، كَمَا تَحْصُلُ بِالْآدَمِيِّينَ. قَالَ: وَبَعْد أَنْ قُلْت ذَلِكَ بَحْثًا رَأَيْتُهُ مَنْقُولًا.

فَفِي فَتَاوَى الْحَنَّاطِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا: فِيمَنْ صَلَّى فِي فَضَاءٍ مِنْ الْأَرْضِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَكَانَ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ. هَلْ يَحْنَث أَمْ لَا؟ قَالَ: يَكُون بَارًا فِي يَمِينِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مَنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ فِي فَضَاءٍ مِنْ الْأَرْضِ، وَصَلَّى وَحْدَهُ، صَلَّتْ الْمَلَائِكَةُ خَلْفَهُ صُفُوفًا» ، فَإِذَا حَلَفَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، لَا يَحْنَثُ اهـ.

قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْجَمَاعَةَ لِعُذْرٍ، وَقُلْنَا بِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ هَلْ نَقُولُ: يَجِب الْقَضَاءُ كَمَنْ صَلَّى فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ إنْ قُلْنَا: بِأَنَّهَا كَصَلَاةِ الْآدَمِيِّينَ، وَأَنَّهَا تَصِيرُ بِهَا جَمَاعَةٌ، فَقَدْ يُقَال إنَّهَا تَكْفِي لِسُقُوطِ الْقَضَاءِ. قُلْت: وَعَلَى هَذَا يُنْدَبُ نِيَّةُ الْجَمَاعَةِ لِلْمُصَلِّي، أَوْ الْإِمَامَةِ.

الرَّابِعُ: قَالَ فِي آكَامِ الْمَرْجَانِ: نَقَلَ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي الْبَقَاءِ الْعُكْبَرِيِّ الْحَنْبَلِيِّ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْجِنِّيِّ، هَلْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ: فَقَالَ نَعَم لِأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلٌ إلَيْهِمْ.

<<  <   >  >>